وما زلنا في محراب ومنبر الهداية والنصائح للأحبة في الإنقاذ.. كتبنا لهم بالأمس بأن الله جلّت قدرته قادر على نزع الملك في ثانية أو لمحة من الزمان.. وتحذيرنا يمتد ويتواصل ونقول.. إذا قال أحد أمراء الدولة الإسلامية في عهد سحيق من الآن إن لله جنوداً من عسل.. فنحن نقول للإنقاذيين.. إن الله أيضاً يسلط فقراء وبسطاء ومساكين وحرافيش وعوام ليزلزلوا العروش مهما كانت محصنة بالقوات والعسس.. واليوم نضرب لهم الأمثال ونريهم صور الجبابرة والمستبدين والذين أبداً يضعون أصابعهم على آذانهم ويستغشون ثيابهم ويستكبرون استكباراً غير عابئين بالنصائح ولا بالأنين ولا بالصياح ولا بسماع مطالب شعوبهم وهم في قمة القوة والمنعة والحصون.. ثم وبعد أقل من ساعة من الزمان تنهار عروشهم ويقعون في مسكنة وخوف وضعه في أيدي كانت لا تستطيع قبلها رفع أصبع واحد أمامهم.. لن نتحدث عن تاريخ وسيط ولا أحداث ما زالت حية في شاشات الفضائيات وفي عقول وصدور وقلوب الناس.. لن نحدثهم عن طغيان شاوشيسكو الذي تلقى في العاشرة صباحاً تقارير أمنه وهي تقول.. إن كل شيء على ما يرام ثم في العاشرة والنصف تماماً وبعد نصف ساعة من ذاك التطمين الكذوب.. ظل شاوشيسكو وزوجته يفران وحدهما في سيارة يقودها وقد انسدت أمامه كل دروب رومانيا الرحيبة.. وانبهمت أمامه الطرقات حتى سقط في أيدي المطاردين..وكيف طفق هو وزوجته يهربان من مطر الرصاص المنهمر كالمطر حتى أضحى جثة هامدة هو الذي كان قبل ساعة من الزمان.. هو الحاكم والطاغية والذي بيده كل مقدرات وطنه شعباً وزرعاً وأرضاً.. لن نحدثكم عن صدام.. ذاك الذي ما كان أحد في كل العراق.. حتى أعضاء حزبه وأركان دولته يجرؤ مجرد النظر في وجهه.. وكيف صار.. أنا لست بعثياً بل لا ود بيني وبين الأحبة البعثيين.. ولكن صدقوني أني لم أقو أو احتمل رؤية ذاك الذي صورته لنا الفضائيات.. ودمعة ساخنة تنحدر من عيوني وأنا أشاهد وغداً أمريكياً يلهو.. بضم صدام.. كل ذلك تاريخ مضت عليه سنوات.. اختتمه بفضيحة محاكمة قائد السافاك المنقولة على أثير الدنيا.. كان مجرد اسم الرجل يثير عاصفة من الخوف والذعر والفزع في أوصال الإيرانيين.. ثم كانت الثورة.. وكانت المحكمة.. محكمة قائد السافاك والذي كان يرتجف كما «القصبة» بل بلغت به «الرجفة» و«الخوفة» بأن تبوَّل في «نص» المحكمة وعلى ملابسه.. وأصل إلى مصر.. وثورة مصر.. إلى تونس وثورة تونس.. كنت سأطلب من أي مراهن على بقاء الإنقاذ حتى قيام الساعة.. أو هبوط عيسى ليملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً.. كنت سأطلب منكم «الفرجة» وقراءة صحف القاهرة «يوماتي» لتعرفوا كيف بكى وانهار وارتجف و «تجرس» الأباطرة.. ولكن لن أفعل فأنتم كما قال أحد إخوانكم.. «لستم سعداء بالسلطة وتعبانين منها شديد».. وأضيف أنكم مشغولون بهمومنا وتوفير الحياة وأسبابها لنا و «ماعندكم» دقيقة تهدرونها في البحلقة في التلفزيون ومتابعة سيل الأحداث في الصحف التونسية والمصرية وهي تنقل كل يوم.. كل يوم.. أحوال وأفعال وأقوال وبكاء و «شكلات» القابعين في السجون والحراسات من رموز النظام المخلوع.. إذاً تبرعاً مني سأنقل لكم صور الضعف بعد القوة.. والانهيار بعد المنعة.. والذلة بعد العلو والتكبر والغرور.. نبدأ برأس النظام.. ذاك الذي لا يقف أمامه كائن من كان من كل شعب مصر إلا وهو في نصف انحناءة حتى وإن كان مدير مخابراته شخصياً.. بل ما كان أحد ينطق باسمه قط.. فقط يقولون «الريس» وكيف صار بعد ساعات فقط مبارك.. أو مبارك المخلوع.. ذهب له أحد وكلاء النيابة ليبدأ معه التحقيق.. قال له وكيل النيابة.. أنت متهم بكذا.. وكذا.. فما كان من الرئيس المخلوع وهو في لجة الذهول.. أو في حلم الخدر اللذيذ.. أنا رئيس الجمهورية.. هنا قال الوكيل في حسم «سابقاً.. أنت الآن متهم عادي».. ويبدأ التحقيق وفجأة ينتهره المحقق بكلمات محددة واضحة وصارمة «لا ترفع صوتك وأنت تجاوب على أسئلتي في التحقيق».. وينصاع مبارك لذاك المحقق.. ويتواصل التحقيق وأنا أردد.. سبحان الذي لا يتغير.. ونعم إن الله ينزع الملك ممن يشاء.. وبكرة.. صور وصور.. وانهيار ودموع..