في بلدة صغيرة تبدو مهجورة تماماً مثل غيرها من المدن تمر بظروف اقتصادية صعبة والجميع غارق في الديون ويعيش على السلف فجأه يأتي رجل سائح غني إلى المدينة ويدخل الفندق ويضع 100 دولار على كاونتر الاستقبال ويذهب لتفقد الغرف في الطابق العلوي من أجل اختيار غرفة مناسبة. في هذه الأثناء يستغل موظف الاستقبال الفرصة ويأخذ المائة دولار ويذهب مسرعاً للجزار ليدفع دينه. الجزار يفرح بهذه الدولارات ويسرع بها لتاجر المواشي ليدفع باقي مستحقاته عليه. تاجر المواشي بدوره يأخذ المائة دولار ويذهب بها إلى تاجر العلف لتسديد دينه. تاجر العلف يذهب لغانية المدينة لتسديد ما عليه من مستحقات متأخرة. غني عن الذكر أنها هي أيضاً أصبحت تعرض خدماتها عن طريق السلف نسبة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة. غانية المدينة تركض مسرعة لفندق المدينة (حيث يعمل موظف الاستقبال في أول القصة) والتي تستأجر فيه الغرف الخاصة لخدمة زبائنها وتعطي لموظف الاستقبال المائة دولار. موظف الاستقبال يعود ويضع المائة دولار مرة أخرى مكانها في الكاونتر قبل نزول السائح الثري من جولته التفقدية. ينزل السائح والذي لم يعجبه مستوى الغرف ويقرر أخذ المائة دولار ويرحل عن المدينة. ولا أحد من سكان المدينة كسب أي شيء. هكذا تدير حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية اقتصادات العالم. هذه القصة الطريفة تؤكد أن قوة الاقتصاد في كل دولة يقاس بحاصل ضرب الكتلة النقدية المطروحة في سرعة دورانها كما في علم الديناميكا قوة الدفع تساوي الكتلة في السرعة بمعنى أن قوة دفع شاحنة وزنها 10 طن (000.10) كيلو جرام بسرعة 3 كيلو متر في الساعة تساوي قوة دفع قذيفة وزنها 10 كيلو جرام بسرعة 000.3 كم/ساعة. هذه المائة دولار تمثل الكتلة المعروضة أدارها موظف استقبال الفندق بسرعة عالية حلت مشاكل خمسة أفراد في أقل من ساعة. عليه تكون قوة الاقتصاد في عاملين مهمين- الكتلة النقدية وسرعة دورانها في الاقتصاد الرسمي الظاهر إذ أن هناك اقتصاد غير رسمي وخفي خارج النظام المصرفي والمتمثل في: ما يعرف (بالكسر)، بيع العملات خارج المؤسسات الرسمية، التهريب وسوق المخدرات بأنواعها. الكتلة النقدية المعروضة في كل دولة محسوبة بدقة بواسطة البنوك المركزية في توازن مضن بين الناتج القومي، حركة الصادر والوارد، احتياطي العملات الأجنبية، والذهب وبين التضخم والانكماش. وهي بهذه الصفة تكاد تكون شبه ثابتة. في الدولة المتخلفة اقتصادياً يكون جزء كبير منها في الاقتصاد غير الرسمي الخفي وفي تقديري وقياساً على ما يجري الآن في السودان أن حوالي 30% إلى 40% من الكتلة النقدية خارج الاقتصاد الرسمي مستغل في الاقتصاد الخفي وهذا يؤدي إلى ضعف الاقتصاد السوداني بالنسب ذاتها. الأمر الثاني: في قوة الاقتصاد سرعة دوران الكتلة. السرعة هذه تتأثر بالآتي: 1. سياسات البنك المركزي وحرية المصارف الخاصة. 2. عدم الشفافية والالتزام بضوابط البنك المركزي بواسطة البنوك. 3. حصر التمويل المصرفي في نطاق ضيق لأفراد ومؤسسات شبه ثابتة. 4. التعثر في استرداد أموال التمويل. 5. خفض المصروفات الحكومية. في تقديري أن هذه العوامل الخمسة تبطيء سرعة دوران الكتلة المتبقية بنسبة لا تقل عن 25%. لذلك يكون الاقتصاد السوداني الكلي (مضروب) في عنصري قوة الاقتصاد - الكتلة النقدية وسرعة دورانها بنسبة تتراوح بين 45% إلى 50% مما يؤثر سلباً على الأغلبية العظمى من المواطنين وتبدأ الململة، والسخط والحديث عن الفساد وعدم عدالة توزيع الدخل والثورات والمطالبة بتغيير النظام كما حدث في مصر وتونس، دخل الفرد المرصود بواسطة معلومات المخابرات الأمريكية في آخر تقرير في يوم 6/4/2011م هو 2200 دولار في العام وهو حوالي 650 جنيه في الشهر لكل مواطن وهذا بالطبع بعيد كل البعد عن الواقع نتيجة للتشوهات في الاقتصاد للأسباب السالف ذكرها. والتي تؤدي إلى أن يكون 40% من سكان السودان تحت خط الفقر كما هو وارد في نفس تقرير المخابرات الأمريكية في أبريل من العام الحالي. أهم سببين من أسباب نقص الكتلة النقدية في الاقتصاد الرسمي وبطء دوران هذه الكتلة الباقية هما: 1. المادة 779 في القانون الجنائي (يبقى لحين السداد). هذه المادة تمنح الشيكات المصرفية قوة مطلوبة وحضارية لكن هذه القوة تم استغلالها تماماً في السوق الاقتصادي الخفي بكل ثقة اعتماداً على الخوف الطبيعي لأي شخص من ولوج الحراسات و السجون والفضائح المعلنة في الصحف من وكلاء النيابات عن الذين يخفون أنفسهم لعجزهم عن سداد الشيكات حتى راجت هذه المعاملات وحجبت نسبة مقدرة من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي. بل وبكل أسف تم استغلال هذه المادة بواسطة إدارات البنوك التي تستكتب العملاء طالبي المرابحات والمشاركات من كتابة شيك بنهاية المدة يتم بموجبه القبض على العملاء بهذا الشيك كأسلوب غير سليم لتغطية عجزهم المتعمد أحياناً في الجدية في التقدير الصحيح لقيمة المرهونات وأعمال قانون الأموال المرهونة بكل قوته لضمان استرداد أموال المودعين كل أو معظم الممارسات السابقة أثبتت أن لا علاقة بالقيمة الحقيقية للرهن والمبلغ المدفع للعميل من البنك. ويبقى العميل لحين السداد بموجب شيك آخر المدة أو يغادر السودان إلى جهات غير معروفة وتضيع أموال المودعين وتبطيء سرعة الدوران وتنهار البنوك ويضعف الاقتصاد. معظم المرهونات التي بيعت لم تغطي نصف المبلغ المصرفي من البنك. 2. والسبب الثاني المؤثر على سرعة دوران الكتلة النقدية هو عدم توسيع مظلة التمويل البنكي لتشمل أكبر عدد من المؤهلين الجادين في تمويل معقول لمشاريع حقيقية وبذلك تقل درجة المخاطرة من جراء التعثر وهي إعمالاً لنظرية طبيعة الأشياء كلما زادت المساحة قل الضغط ومعمول بها بكفاءة عالية في علوم التأمين إذ قل أن تخسر شركة تأمين بها مساحة واسعة تستوعب أكبر عدد من العملاء. العلاج: 1. إلغاء المادة 179 من القانون الجنائي والعودة إلى مواد القانون المدني بدلاً عنها وتقبل الضعف في قوة الشيك لأنه أقل ضرراً. 2. يقوم البنك المركزي باعتماد بيوت خبرة هندسية محترمة وهي كثيرة الآن في السودان وإلزام البنوك التجارية بالتعامل معها فقط في تقديرات الرهونات. 3. يقوم البنك المركزي بالزام البنوك بالتقيد بنسب محددة لتمويل المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة والتي تستغل على أقل تقدير ما لا يقل عن 50% من خام محلي مثل صناعات النسيج، الجلود واللحوم بسقف معقول لكل مستثمر. وكذلك الحال بالمشاريع الزراعية والحيوانية الصغيرة والمتوسطة مستهدفين الشباب من الخريجين وبضمان المشروع المعني كاملاً لا تؤول ملكيته إلى الشخص إلا بعد سداد المديونية. 4. يقوم البنك المركزي بالزام البنوك التجارية بالتملك الكامل للمشروع من مرحلة مراجعة الفواتير الخاصة بالمعدات وفتح الاعتمادات باسم البنك وتحويلها وهي مرهونة للبنك إلى العميل في موقعه. وتفادي منح الأموال سائبة إلى العميل. على أن يتم كل ذلك في تنسيق كامل مع وزارة الصناعة والزراعة والثروة الحيوانية. كل التقارير الرسمية الخارجية مثل تقرير المخابرات الأمريكية الدوري عن كل دول العالم والمجدد في 6/4/2011 أشار إلى نسبة نمو في الاقتصاد السوداني تعادل 2.5% وهي عالية وضعت السودان الدولة رقم 60 في العالم من أكثر من 200 دولة وهي شهادة إيجابية على المستوى الاقتصادي الكبير لكن هل انسحب ذلك على المواطن الذي يجأر بالشكوى والضيق وفشله في أن يجعل الطرفين في معادلة المعيشة يلتقيان- طرفي الدخل والصرف الضروري. يجب أن لا نركن للمألوف المعوق للإبداع والخروج من الأزمات. حتى نتيح في صفحات الجرايد ما هو أهم من «نما إلى علمي إخفاؤكم لنفسكم للحيلولة دون القبض عليكم بموجب المادة «179» أو «بأمر المدير العام وقانون الأحوال المرهونة تعلن.. بيع العقار رقم.. والدليل بالجرس». هذا تخلف اقتصادي قاتل وعيب اجتماعي ضار بالوطن والمواطن. والله الموفق مهندس مستشار