سفن بلا مرفأ..! إلى كل عامل يعمل بكد وإخلاص.. إلى الذين يعيشون في الظلام لكن يعرفون كيف يضيئون الثريات.. إلى أناس خلف الكواليس لتضج المسارح إشعاعاً ونوراً.. إلى كل عمال بلادي.. أهدي هذه القصة.. تعالى صوت الحاج «منصور» ساخطاً وهو يخرج من غرفة ابنه «عصام».. الذي رفض أن يستيقظ ليذهب مع أبيه إلى العمل، وتحول إلى الجانب الآخر من الفراش وأحكم الغطاء حول جسده..! هذا الابن الكسول الذي يرفض العمل ولا يفعل شيئاً سوى تبديد الأموال التي جمعها الوالد بالكد والعرق والدموع..! وساعدته أمه على ذلك بإغداقها الحنان والعاطفة.. دون الالتفات لغرز روح المسؤولية في داخله باعتباره ابنها الوحيد الذي انتظرته ثلاثة عشر عاماً قبل أن تحتضنه بين ذراعيها..! في ذاك الصباح سمعت صوت زوجها الساخط فخرجت إليه متذمرة..! دعه يا حاج منصور وماذا سيفعل بالعمل وهل يحتاج ليعمل ويجهد نفسه.. وكل هذه الأموال ستؤول إليه..؟!أيتها المرأة الحمقاء.. وماذا يسوي الرجل بلا عمل..! وهل تظنين أن هذه الأموال مهما بلغت ستجدي نفعاً لشخص غير مسؤول..! وكم سنعيش من الزمن.. إن هذا الابن لم يفسده شيء سوى الدلال.. ومن تريدني أن أدلل وهل لنا سواه.. دعه يرتاح لقد عاد متأخراً مساء أمس وقال إنه يحس بصداع..!تحرك حاج منصور وركب بجوار سائقه «عم علي» الذي حاول أن يخفف عنه فدار بينهما حوار طويل بشأن عصام انتهى بوصولهما للمصنع..!أمي أريد مالاً سأذهب اليوم برفقة أصدقائي إلى بعض الأماكن..! حسناً يا حبيبي ولكن لا تتأخر حتى لا نقلق عليك..! أدار عصام مفتاح سيارته وعبثت أصابعه بآلة التسجيل فانطلقت الموسيقى والأنغام.. وبينما هو في طريقه لا يلوي على شيء استرعى انتباهه فتاة تقف على الطريق بملامح أخاذة خفف سرعته وعاد إلى الخلف.. وأشار إليها لتركب.. حدقته الفتاة بنظرة ثاقبة أرعبته.. وأشاحت بوجهها الفاتن في الاتجاه الآخر فخطفت قلبه وشلت تفكيره..! كيف لهذه الحسناء البلهاء أن ترفض رفقته في هذا الجو الخانق الحار والسيارة المكيفة وترضى أن تعاني وسط هذا الزحام لم يستطع «عصام» أن يتحرك من مكانه حتى توقفت مركبة عامة.. سرعان ما اختفت الحسناء في جوفها وتتبعها «عصام» بعربته وسؤال واحد يدور في عقله الذي لا يعرف الكثير.. كيف يرضى الإنسان أن يعذب ويتعب نفسه في حين أنه يستطيع أن يكون مرتاحاً سعيداً؟ نزلت الفتاة في إحدى الشركات ودلفت إلى الداخل دون أن تعي بأن هناك من يتبعها.. «غادة محمد..» موظفة وطالبة في آن واحد تعمل لإعانة أسرتها..! تعلق عصام بتلك الفتاة المكافحة الجادة.. وأصبح يتبعها كل يوم فأصر على خطبتها.. أطلقت أمه الزغاريد.. واكتفى حاج «منصور» بالصمت..! التقاها وهي خارجة من الشركة.. وحدثها عن إعجابه واهتمامه.. وتكرر الأمر أكثر من مرة.. فقالت أبي عامل بسيط ونحن أسرة فقيرة وأنا أعين إخوتي لإكمال تعليمهم.. حضر مساءً إلى منزلهم فاستقبلته الأسرة.. بترحاب وطيبة.. فابتدر حديثه وقال- أنا فلان بن فلان- وظن أن اسم أبيه الرنان كفيل بأن يفتح له الأبواب فسأله الأب.. وماذا تعمل..؟ فقال لا شيء.. سنعيش في منزل والدي.. فرد عليه ولم لا يتقدم والدك للزواج منها..! استمع جيداً يا ابني: صحيح إننا فقراء نعمل بجد وكد إلا أننا نحترم أنفسنا ونحفظ كرامتنا.. ونقدرالمسؤولية..! لذا نرفض طلبك! عد إلينا حين تعرف معنى العمل! ومعنى أن تكون رب أسرة.. وتقدر قيمة المسؤولية! حتى استطيع أن آمنك على ابنتي..! خرج عصام غاضباً.. هذا العامل المعتوه كيف يرفض.. كيف..؟ فهل هو معتوه فعلاً لأنه رفض أن يزوج ابنته لثري لا يعمل.. أم لأنه أجاب على سؤالك حين قال «إن السعادة والراحة لا توجد إلا في الإحساس بالذات.. و.. الكرامة!!