تلبس الخرطوم هذه الأيام حلة زاهية، والفضل في ذلك يعود إلى وزير ثقافتها المثقف الأديب المهذب الدكتور محمد عوض البارودي، وواليها الذي كانت كلمته في الافتتاح قمة في البلاغة ومتانة اللغة، وفهم قضية الأدب، رغم أن الرجل لم يكن يقرأ من ورقة معدة، بل كان عفو الخاطر.. ومع ذلك لفت انتباه الشعراء وكبار الأدباء بسلاسة الأسلوب، وأتساق البيان، وسلامة اللغة، ولا يكتمل الثالوث دون الإشادة بربان سفينة المهرجان الملتقى الدكتور محمد الواثق الذي كتب في الماضي-من باب الحب والغيرة- (أم درمان تحتضر)، فإذا به الآن يبعث الروح في الخرطوم.. من خلال قيادته اللجنة التنظيمية العليا للمهرجان.. بل ويبعث روحاً جديداً في مدينته الأثيرة أم درمان، من خلال المسرح القومي في ليلة غير مسبوقة مخصصة ومفردة للشعر وحده، ولدولة الشعر التي أعادت لها الولاية صولجانها.. فإذا بأم درمان تنتعش شعراً وأدباً وألقاً ورواء، فيزين أماسيها المنصف المزغني من تونس، وأحمد بخيت، والدكتور الشاعر العالم صابر عبد الدائم من مصر، ويدهشها بابداعه الرائع الملتزم الأديب الشامل وحيد الدهشان، ويزين سماء الخرطوم عميد أدباء العراق وحادي ركبهم الشاعر الكبير الفحل عبد الرازق عبد المجيد، فيعيد لنا في الخرطوم ليالي المربد.. وملتقى الفرات العذب الذي يلتقي بكل الود والحب بملتقى النيلين في الخرطوم: وبغداد والخرطوم لحنان إنما لحوني شراب الصدق لا ابنة الكرم كما أقول في قصيدتي بغداد.. ويشرفنا في هذا الملتقى أدباء كبار من الحجاز وأرض الحرمين، على رأسهم الشاعر الكبير الصحيح، ومن فلسطين والأردن الشاعر الفارع ورفيقه أيمن، الذي أشعلها ثورة حمراء في قصيدته التي لم تترك لكل صاحب كرسي مكاناً يجلس عليه، بثورة الكلمة وحماس الشباب.. ولا يفوتني أن أنوه في هذا الملتقى بأخوة كرام من دولة الإمارات، والمغرب العربي، وموريتانيا، تنادت وفودهم إلى الخرطوم لتضع فيها وعبر منابرها دولة الشعر العربي الباذخة، عبر ذلكم الملتقى الجميل (ملتقى النيلين للشعر العربي)، الذي جعلته الخرطوم وقادتها ممكناً، والذي آمل أن يتواصل في كل عام، وفي موعده الراتب بكل الألق والحب والجمال.. ليجعل الخرطوم كما أرادها شاعرنا الفذ التجاني يوسف بشير (مدينة كالزهرة المونقة) يعمها الطيب والاريج والجمال.