ما أصعب الكتابة عن الأصدقاء والأخوان.. وما أقسى القلم وهو يودّع صديقنا وأخونا الكبير الصحفي «الرقم» أحمد عمرابي..!! هو ليس من جيلنا!! ولكنه من النوع الذي يزيل الحواجز «الوهمية» بين أجيال الصحفيين المختلفة وهذه شيمة صحفيينا العظام عندما يتدرجون في مدرجات «جامعة» الصحافة.. ويتمرغون في ترابها ودهاليزها المتعبة هو امتداد غير مزيف لجيل الصحفيين الكبار وامتداد ذو طعم حلو لأم درمان التي تملك التميز في صناعة النجوم وعمرابي كان نجماً يتلالأ في عوالم الفن الجمال والإبداع.. ü تزاملنا في (أخبار اليوم) عقب عودته الغربة من السعودية وعشنا أياماً جميلة وكان مكتبه واحة من نوع خاص بها أطياف من الثقافة والفن والسياسة والمجتمع وتعرفنا من خلال جلساته على كثير من المبدعين ونجوم المجتمع منهم صديقه وتوأمه الراحل الصحفي محجوب عوض الكريم وأجزم أن بعد وفاة الأخير لم يقو قلب عمرابي على تحمل فراقه فوهن وضعف حتى غادر الدار الفانية!! ونحن في طريقنا لأم درمان للعزاء ومعي د. فدوى وآمنة السيدح وحنان الطيب قالت زميلتنا د. فدوى موسى كأنها تنتحب أمامنا بصوت عال «ليالي المدينة الحزينة» ..لقد كان عمرابي يكتب صفحته المشهورة ليالي المدينة ويسكب فيها كل إبداعه وخبراته وحبه للحياة والنّاس فيخرج لنا درراً وجواهر مرصعة من القصص الإنسانية والحكايات النابضة بالحياة. وتخرج احياناً «جريئة» ومغايرة للواقع. إنه الابداع الذي حاول عمرابي أن تطويعه في عمله الصحفي ويبحث عن طريق ثالث يصل حبل السياسة «الخشن» بدلو المنوعات «الناعم» فأبدع وأجاد وكانت الكلمة تخرج من مداد قلمه قوية وأحياناً (صادمة) فلا يضع لذلك «فيتو» خاص وفلسفته في ذلك أن تقول الصحافة الحق ولو كان مراً وقاسياً.. وربما تمر بالذاكرة العديد من معاركه الصحفية والتي خرج منها منتصراً لشرف الكلمة والقلم وصاحبه الذي مر ب«الجسر» أمس ككل الصحفيين العظام الذين يرحلون ولا يتركون وراءهم شيئاً من حطام الدنيا. ü هذه ليست مرثية لعمرابي ولكنها دمعة حارة سالت غصباً عني في مقابر البكري وسط هذا التشييع المهيب كنت أتذكر كلماته لي قبل يومين وهو يقول لي - أنا عافي منكم -لم يقل أعفو مني- لأنه يعرف اننا عافين منه دنيا وآخرة اللهم أرحمه وأجعل قبره روضة من رياض الجنة وأغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأجعل البركة في ذريته.