وما زلنا في رحاب الأستاذ كمال عبد اللطيف.. وما زلنا نتجول في ردهات قاعات الدرس الوقورة الرحيبة.. وما زلنا جلوساً مراقبين في الصفوف الخلفية.. والمرشحون للوزارة يتلقون المبادئ الأولية في علوم كيف تكون وزيراً.. وكيف تتصرف وأنت وزير.. وكيف تتحدث وأنت وزير.. وماذا تعمل وأنت في حضرة مؤتمر صحفي وأي العبارات تنتقي وأنت تتحدث إلى الإذاعات الإقليمية والمحلية والدولية.. بل كيف يكون «هندامك» وأي تقاطيع تلك التي ترتسم على وجهك وأنت تحاورأو تدلي بتصريح.. أو تتفقد مجمعاً أو منشأة. أما الذي حملنا على هذا ومطالبتنا الملحة لتدريب الوزراء.. هو تلك الفوضى العارمة التي تهب يوماتي على الوطن وكأنها صرصر العاتية.. ثم ذاك التداخل العجيب تصريحاً من الوزراء في شأن وزارات أخرى لا يجمعهم بها سبب وليس بينهم وبينها وشيجة أو صلة.. بل أكاد أجزم بأن الوزارة.. بل الوزارتين اللتين تطبقان هذا الانضباط الصارم والحديدي فقط هما وزارتا الدفاع والداخلية.. ولم نسمع يوماً واحداً فريقاً أو لواءً أو عميداً أو أي ضابط يصرح إنابة عن الدفاع والقوات المسلحة غير الوزير المعني أو العقيد الصوارمي سعد.. وكذا الحال في وزارة الداخلية.. أما غير ذلك فلا تعجب ولا تدهش أن تحدث وزير الزراعة عن التعليم والصحة عن الخارجية والعمل عن الموانئ البحرية.. ثم تضحك وتستغفر و«تدي ربك العجب» وتسأله السلامة.. وإليك هذه الحادثة.. والسيد المهندس والذي هو على رأس هيئة المياه يعقد مؤتمراً صحفياً يسأله أحد الصحفيين عن معاناة بعض الأحياء من انقطاع الإمداد المائي.. متسائلاً إن كان في نية هذا المسؤول الاستقالة من منصبه.. وهاك الإجابة الصاعقة.. فقد قال سعادة الباشمهندس لن استقيل لأن استقالتي هي «التولي يوم الزحف».. يا إلهي.. ما هذا وأين نحن بالله.. وتالله لو كنت مكان المسؤول لأجبت في هدوء.. لن استقيل.. وببساطة لأني لم أفشل فقد استلمت شبكة مهترئة تعجز عن حمل ملايين الأمتار المكعبة من المياه لولاية في حجم قطر كامل.. لو كنت مكان هذا المسؤول لقلت هذا وفي الخاطر والعلم أن والي الخرطوم نفسه قد برأ هذا المسؤول من الإخفاق ونسب هذه الأعطال فقط لاهتراء الشبكة. وفي هدوء نقول للباشمهندس أي تول وأي زحف ذاك الذي تتحدث عنه.. نحن سيدي في رحاب خدمة مدنية أنت موظف فيها.. نحن وتحديداًً في هذه الواقعة لا نتحدث عن واقعة أو موقعة حربية.. لسنا في حرب ضد كفار أو يهود بني قريظة ولا العدو على أبواب المدينة.. ولا أنت قائد كتيبة أو أمير سرية.. ولا أنت أبو دجانة الذي مشى مختالاً فخوراً حتى ظن الصحابة أن في نفس الرجل كبراً وزهواً بالنفس وهو يمشي مختالاً.. ولا أنت من قال فيه النبي صلوات الله وسلامه عليه.. إنها مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع.. وموضعك سيدي الباشمهندس هو إدارة مرفق المياه.. فبالله عليكم دعونا من تلك الكلمات التي سدت أفق حياتنا.. والتي جاءت بها الإنقاذ لتوهمنا أننا إنما نعيش في كنف شرع الله وتحت ظلال الوحي.. وأضواء وأريج يثرب يهب علينا شمالاً وجنوباً.. دعونا من «حكاية» «سد الثغور» بل قول شغل وظيفة شاغرة.. دعونا من ذاك التنطع وكل ذاك الإيهام بأنكم لا تنطقون إلا ما ينطق به أحباب وأصحاب الرسول العظيم. ثم مازلنا نضحك سيدي كمال عبد اللطيف من ذاك المسؤول الرفيع الذي أشاع موجة من المرح ولا أقول السخرية.. وعاصفة من الضحك ولا أقول تلالاً من الغضب.. والرجل كان مرشحاً لدائرة قومية وفي آخر انتخابات جرت في الوطن.. خاطب الجماهير قائلاً «المابصوت لينا مايكب من بنزينا لأن البترول جبناه نحن» والمابصوت لينا ما يمشي في «ظلطنا لأن الظلط عملناه نحن».. وبالله عليكم ماذا لو ترجمنا هذا للأحبة في موريتانيا أو جزر القمر أو جيبوتي ماذا يقولون علينا.. ودعكم من ترجمته إلى المترفين في واشنطن ولندن وباريس وبرلين.. قطعاً سيقبل الإنجليز بعضهم على بعض يتلاومون وكيف أنهم قد غادروا تلك البلاد ولم يتركوا من خلفهم.. من يقتفي أثر برمبل.