إذا تكاملت الروح الواثبة عند قراءتها للآية الكريمة: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) عندئذ أدركت- (أي الروح)- أن دائرة الأهل هي أقرب الحلقات والصق الروابط.. ولهذا كان صياغ الأمر (أصطبر) بالتركيبة المترادفة للبناء المتجدد.. وإن انتابتك الضوائق فإنه (تعالى) تكفل بطمأنتك بالعيش الهانئ الرغيد.. وعندما استعطف (نوح) ربه سبحانه لإنقاذ (ابنه) من التهلكة ناشد ربه قائلاً (رب إن ابني من أهلي .. وإن وعدك الحق)، فرده ربه تعالى قائلاً له: (يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح).. وهكذا رجع وأدرك ونادى ربه عائداً (.. إلا تغفر لي وترحمني أكن من الجاهلين).. فللأهل هنا طرف عميق في المدلهمات.. وعقد فريد في البوارح والرخاء.. ونحن هنا في السودان استوقفنا أقضية وتقاطعات تحت ظروف متشابكة منذ أن أبعدنا من ديارنا الدخلاء المستعمرين.. منذ (نصف) قرن من الزمان.. أما إذا رجعنا لأنفسنا وأسميناه ابتلاء.. وقلنا إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فهذا لا يدعنا نقعد عن التماس وإيجاد المخارج ونبذ التمرد العدائي الخشن والمواجهة المزعزعة والمقعدة عن تنمية النفس والعمران.. وطمس الصلات الحسنة والطيبة مع الأهل والمعارف.. بل تقطيع الأوامر.. وإضعاف التواصل مع أطرافنا والدول المجاورة الصديقة.. ولذلك إن انتبانا شيء مثل هذا.. اجتهدنا وبحثنا عن (الحكمة) و(الحكماء) وبسطنا النصيحة للخوارج و(أهل الهوى) لدرجة أن كتبنا في (مقالاتنا) مخاطبين زملاءنا الذين كانوا وزراء معنا.. وكنا رفاقاً على دروب العاصمة (الخرطوم) ليلاً ونهاراً.. نزاحم وندمر عناصر (التراخي) و(الجهوية)، وخداع التيارات الهدامة.. ولقد بذلنا النصح حتى لا يتمزق الوطن السودان (أودية) و(تلالاً) و (سهولاً)... توقفت حولها مظاهر الزحف الأخضر الأنيق.. وكلنا قد تابعنا أن الأجندة الخفية والمعلومة تتربع داخل أفئدة كثيرين.. استهوتهم الحياة الدنيا.. والأخوة والدول الأخرى من حولنا.. ومعظمها قد عايش هذه التجارب المريرة.. ورفعوا شعارهم (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.. ) فراقبت مواجهاتنا كدولة مع الحركات الخارجية التي تتعدد كل حين وحين.. ومنها (دوحة) العرب التي كلها كرم.. بسلطانها وأميرها (حمد) آل ثاني الذي شاهد كل هذه الأفواج والتحركات.. لاخماد روح الطمأنينة والتماسك الإسلامي والعربي- ذلك من طرف خفي- وأفضت مجهوداته هذه لاحتواء آخرين من الدول والاتحادات والروابط لفض الاشتباكات.. ولاحظوا (هم) وأيقنا (نحن) وانتبه (آخرون) أن المجموعات المتتالية هذه رغم (التصالح الأعظم) الذي حدث عام (2005م) في (نيفاشا) في دولة كينيا، إلا أن دول الغرض والاجندة مع رؤوس داخلية تفتعل المواجهات، وتأوي قادتها وأفرادها وتمدهم (بالعصا) و (بالدراهم) وتمنيهم الأماني.. وكل هذا لارجاع خطى الوطن إلى الوراء.. كلما تقدم علماً وزرعاً وضرعاً ومياهاً ومعادن.. وتعلق بأجنحة (البراق) الندية.. فعندما انداحت حول الاذان والأذهان كل هذه الجدليات اكتشف الجميع أن صاحب الكسب الحقيقي بل الذي لحقه الأذى هو المواطن (الراعي) و(المزارع) و(التاجر) و(القروي) و(المسافر)، وتوقفت (المواهب) وتواصل (الأجيال).. هنا رأي الأمير (حمد) سلطان (قطر) الحانية.. رأى أن يستشير (الأمم) و(الاتحاد الأفريقي) و(جامعة الدول العربية) وآخرين وأفضى إلى الوسيط المشترك (جبريل باسولي)، أن يخاطب المجتمع الدولي بشعار (لا للحرب..لا للمتاجرة بقضايا الآخرين)، حيث أفرد منبر (الدوحة) العاصمة القطرية.. أفرد وثيقة: (أهل المصلحة) وأهل المصلحة الحقيقية هم الذين تضرروا من تطاول المواجهات والإعتداءات والقتل والدمار.. وإذا كانت دولة قطر تولت كل هذه المبادرات فإن الدول المجاورة قد تداعت اليها.. وجامعة الدول العربية، وكذلك المؤتمر الإسلامي، ثم نادت ودعت إليها الفعاليات والزعامات السودانية، والتي كانت على رأسها (حكومة الخرطوم) و(الحركات) المتمردة.. والطريق مفتوح لكل من أراد أن يساعد أو يعين على استقرار الوطن العريض.. وعيش المواطنين ببلدنا (دارفور).. أما العدد الذهبي (400) الذي دعي (للدوحة) الوارفة بقطر في الفترة (27-31/5/2011م) فكان يمثل (الولاة) المعنيين.. و(قادة الأحزاب والكيانات الفاعلة)، و(منظمات المجتمع المدني)، و(الإدارات الأهلية)، و(النازحين)، و(أبناء المهجر)، و(قادة المجتمع الدولي)، ثم جرت المداولة حول هذه (الوثيقة) التصالحية.. وقد اعتمدت الوثيقة (سبعة) محاور هي (حقوق الإنسان والحريات الأساسية) -أولاً- و(العدالة والمصالحة) -ثانياً- و (تقاسم السلطة)- ثالثاً- و(تقاسم الثروة) -رابعاً- و(التعويضات وعودة اللاجئين) -خامساً- و(وقف إطلاق النار الدائم)- سادساً- و(الحوار والتشاور الداخلي)- سابعاً- وقد تداول الناس حولها، ثم أقرت (كوثيقة) هادفة من المؤتمر النوعي الجامع هذا... لتصاغ من قبل معهد دولي مختص- ثم يتم التوقيع عليها- بعد متابعتها وفحصها.. وعلى نمط التشاور وتوحيد الرؤية.. أعطت (الوثيقة) الحركات الرافضة مهلة (3) أشهر لتقوم وتجري التوقيع عليها.. وبذلك تنشأ سلطة اقليمية أجلها (أربع) سنوات.. ومقرها (أي السلطة) هو مدينة (الفاشر).. وبهذه الاختصاصات و(المفوضيات العشر) وخلال هذا (الأجل) يجري استفتاء مفاده هل تبقى على نظام الولايات أم تصير اقليماً.. ومن هنا تكون (وثيقة الدوحة) دوحة ظليلة.. ويد الله فوق أيديهم جميعاً.. وهي تفرس التفاؤل والأمل الجميل في (أهل المصلحة) الحقيقة.. وقد جاءوا لتوهم من (الدوحة)، فاللهم قنا شماتة الأعداء.. آمين