عدوي: السودان يمر بظروف بالغة التعقيد ومهددات استهدفت هويته    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    "حكم تاريخي" على المتهمين بالعنصرية ضد فينيسيوس    في عملية شهدت أحداث درامية بليبيا.. نادي الأهلي بنغازي يخطف لاعب الهلال السوداني جون مانو..يخفيه عن الأنظار يوم كامل ويقوم بتسجيله مقابل 450 ألف دولار للهلال ومثلها للاعب    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    حكاية البيان: دلالات وشواهد غير مرئية    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    أنشيلوتي يفجرها: لن نشارك في مونديال الأندية!    شاهد بالصورة والفيديو.. ظهر وهو يصنع "القراصة" ويتحدث الفرنسية بطلاقة.. شاب سوداني متخرج من أفضل الكليات بتقدير ممتاز لم يجد وظيفة وأجبرته الظروف على عمل متواضع في الخلاء    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة على أنغام (لولة الحبشية) والجمهور يطلق "صافرات" الإعجاب    منظمة مشاد تستنكر الصمت الدولي تجاه انتهاكات المليشيات بمستشفى الفاشر    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    مستشار الأمن القومي في الإمارات يبحث مع مايكروسوفت التعاون في التكنولوجيا المتقدمة!    إسرائيل: «تجسد الوهم»    الحرارة وصلت 51.. تحرك برلماني لاستثناء صعيد مصر من تخفيف أحمال الكهرباء    ماذا لو فاز؟.. ترامب يضع أهدافا مستقبلية أهمها "ملاحقة بايدن"    المصفاة في مواجهة المشعل وتحويل ديربي الابيض للإثنين    وسط حضور جماهيري كبير ...منتخبنا يبدأ تحضيراته بملعب بلك    ما تقوم به عصابات ألأراضي في بحر أبيض لايقل خطورة عن النهب والسرقة التي تقوم بها مليشيات التمرد    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    الهلال الأحمر القطري يشرع في شراء الأضاحي بهدف توزيعها على النازحين    منصة البلاغ الالكتروني تسجل (53,857) بلاغا    بعد موسم خال من الألقاب.. البايرن مستعد للتخلي عن 6 لاعبين    السنغال تعمق جراح موريتانيا بعد السودان    ((خواطر …… مبعثرة))    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    مجزرة ود النورة... هل تسارع في تصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية؟    انقطاع الكهرباء والموجة الحارة.. "معضلة" تؤرق المواطن والاقتصاد في مصر    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    الجزيرة تستغيث (4)    انتظام حركة تصديرالماشية عبر ميناء دقنة بسواكن    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    تونس.. منع ارتداء "الكوفية الفلسطينية" خلال امتحانات الشهادة الثانوية    السعودية.. البدء في "تبريد" الطرق بالمشاعر المقدسة لتخفيف الحرارة عن الحجاج    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا لإطالة معاناة أبيي

حسب العلوم الإنسانية التقليدية العملية حل أي قضية أو أزمة لا يخرج عن ثلاث وسائل لا رابعة لها- الغلبة لطرف واحد Domination، التراضي بالتكامل
integration وأخيراً بالحل الوسط Compromise
الوسيلة الأولى كما في المحاكم نصر وهزيمة وعدم رضا طرف.. الحل الوسط يفضي إلى عدم رضا الطرفين، بهذه الصفة غالباً ما يعيد الأزمة إلى المربع الأول.. الحل الصعب المثالي هو التراضي بالتكامل الموضوعي والذي يقود إلى الحل الجذري المستدام.
أزمة أبيي أزمة شائكة تم تدويلها تماماً في اتفاق نيفاشا في 26/5/2004 المعدل في اتفاق أديس أبابا الأسبوع الماضي 20/6/2011م.
أزمة أبيي في الأساس هي نتيجة لصراع تقليدي معروف في كل العالم ومنذ القدم هو صراع معروف وموجود حتى الآن في كل الدنيا بين الرعاة الرحل بحثاً عن الماء والكلأ، وبين المزارعين المستقرين في مناطقهم وكل مشاكلها كانت تحل ودياً وبالتراضي والتعويضات.
تعقدت أزمة أبيي حتى تم تدويلها لأربعة أسباب:
أ- ضم الاستعمار الإنجليزي لتسع عموديات من قبيلة الدينكا نقوك بمديرية كردفان في العام 1905.
ب- بروتوكول أبيي في مايو 2004 في نيفاشا والذي وضع مبادئه الرئيسية وبنوده السيناتور الأمريكي دان فورث في 19/3/2004م.. هذا البروتوكول به كثير من الغموض والتناقض في بنوده خاصة فيما يتعلق بتحديد ساكني أو مواطني أبيي كما سنرى.
ج- اتفاقية السلام الشامل في 2005 والتي منحت الجنوب حق الانفصال.
د- موافقة المؤتمر الوطني على اللجوء للتحكيم الدولي.
في اعتقادي أن الاستعمار سعى في عام 1905 إلى ضم العموديات التسع لدينكا نقوك إلى مديرية كردفان- كما كانت تسمى الولايات- لتخفيف التوتر الموسمي الذي يحدث بين المسيرية الرحل والدينكا، وللتداخل الجغرافي ولعمق العلاقات الطيبة بين زعماء الإدارة الأهلية المتعاقبة مثال الناظر بابو نمر والسلطان دينق مجوك والد السفير فرانسيس دينق. هذا الضم للعموديات التسع ظهرت آثاره الجانبية السالبة عبر السنين خاصة عند تقليص سلطات الإدارة الأهلية منذ مايو 69.
بروتوكول أبيي الذي أعده السيناتور دان فورث في 19/3/2004 وقدمه إلى الأستاذ علي عثمان والراحل جون قرنق، أصبح بروتوكول أبيي الذي تم توقيعه في نيفاشا في مايو 2004 وأصبح جزءاً أصيلاً في اتفاق السلام الشامل الموقع في يناير 2005م، هذا البروتوكول في مادته الأولى من المادة الأساسية يبدأ بداية طيبة متحدثاً عن أن أبيي هي جسر بين الشمال والجنوب، يربط مواطني الشمال والجنوب، ثم في الفترة التالية يبدأ الغموض والتناقض، إذ يقول في الفقرة 2- 1- 1 يعرف إقليم أبيي بالمساحة التي فيها عموديات دينكا نقوك التسع والمحولة في 1905 إلى مديرية كردفان.. وفي فقرته التالية 3 - 1- 1 يقول المسيرية والمواطنون الرحل الآخرون يحتفظون بحقهم التقليدي في طعام وشرب ماشيتهم وتحركهم في إقليم أبيي المعرّف في 2 - 1 - 1 في هذا غموض متعمد يثبت أن منطقة أبيي جنوبية.
في مادة الفترة الانتقالية- المادة 2 - 1، وهي الفترة منذ يناير 2005 حتى اليوم، في الفقرة 1 - 2 - 1 يُعرف ساكنو أبيي بأنهم مواطنو غرب كردفان وبحر الغزال، وهم من يديرون منطقة أبيي بواسطة مجلس تنفيذي منتخب بواسطتهم، وهم بنفس التعريف من يصوتون في استفتاء تقرير مصير أبيي بعد نهاية الفترة الانتقالية، المادة 3 - 1 والاستفتاء تحديداً على بقاء أبيي في الشمال بوضعها الخاص كما في الفترة الانتقالية أو تكون منطقة أبيي جزءاً من بحر الغزال.
بكل أسف يتواصل الغموض والضبابية المتعمدة في بروتوكول أبيي وهو جزء لا يتجزأ من اتفاقية السلام الشامل في مادته الخامسة تحت عنوان تحديد الحدود الجغرافية في الفقرة 1- 5 تقول تنشأ مؤسسة الرئاسة مفوضية حدود أبيي لتعريف وترسيم المساحة التي كانت بها التسع عموديات دينكا نقوك والتي تحولت إلى كردفان عام 1905 ويشارك بمنطقة أبيي في هذا البروتوكول.
يصل التعارض والغموض ذروته في المادة 6 من البروتوكول تحت عنوان «ساكنو المنطقة»، تحدد الفقرة 1 - 6 أن ساكني منطقة أبيي هم:
أ- 1 - 6 - أعضاء عموديات دينكا نقوك والسودانيون الآخرون الساكنون في المنطقة.. وفي ب- 1 - 6 معايير السكن في المنطقة تحددها مفوضية الاستفتاء.
وفي المادة 2 - 6 تقول صراحة ساكنو أبيي هم مواطنو غرب كردفان وبحر الغزال.
بالنظر إلى هذه المادة يتضح التناقض والغموض، فتارة يشير إلى أن ساكني منطقة أبيي هم دينكا نقوك والآخرون وتارة أخرى في نفس المادة يقول ساكنو أبيي (دون كلمة منطقة)، هم سكان غرب كردفان وبحر الغزال.. ولم يذكر المسيرية صراحة إلا في السماح لهم بالحق المكتسب التاريخي في المرعى في المادة الأولى من البروتوكول المباديء الأساسية، بينما في كل ما تبقى من البروتوكول الإشارة لهم جغرافياً فقط.. لكن المهم جداً أن المادة 8 من البروتوكول لعنوان مفوضية استفتاء أبيي الفقرة 2 - 8 تحدد صراحة من يحق لهم الاستفتاء وهي تقول «ساكنو أبيي يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء.».. وساكنو أبيي معرّفة كما أسلفنا في الفقرة 1 - 2 - 1 هم مواطنو غرب كردفان وبحر الغزال في أبيي، لذلك نجد أن كل المسيرية لهم ألف حق في التصويت في الاستفتاء إذا أخذنا بهذه المواد وهذا التعريف الجغرافي.
وأيضاً الدينكا أنقوك لهم ألف حق إذا أخذوا بالفقرة 2 - 1 - 1 والتي تحدد منطقة أبيي بالمنطقة التي كان يسكنها مواطنو عموديات دينكا نقوك قبل 1905 وأن المسيرية لهم حق المرعى والمسارات التقليدية فقط كما في الفقرة 3 - 1 - 1 اتفاقية السلام الشامل، والتي أفرزت وسمحت بالانفصال في يوليو 2011 وعمقت الأزمة وأضافت ظلالاً كثيفة على مسألة الحدود وبعداً جديداً للأزمة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حتى وصلت إلى حافة الحرب الشاملة واستيلاء الجيش السوداني على أبيي، الأمر الذي أدى إلى تدخل دولي جديد في 20/6/2011 بتعديل بروتوكول أبيي، وذلك بسحب كل الصلاحيات الأمنية من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية واستبدالها وتحويلها إلى قوة دولية أثيوبية حديثة التسلح، قوامها ثلاثة إلى خمسة آلاف جندي بقيادة لواء أو فريق من الجيش الأثيوبي. الأمر الأخير الذي لم يوفق فيه المؤتمر الوطني هو الموافقة على تحويل أزمة أبيي إلى التحكيم الدولي، والذي أصدر حكماً لم يرضِ المسيرية وقُبل على مضض من الحركة الشعبية، لأنه أغضب المسيرية أكثر وفي تقديري كان ذلك خطأ إستراتيجياً، لأن في بروتوكول أبيي مساحة كبيرة للمناورة، والغريب في الأمر أن التحكيم الدولي دائماً بين دولتين ولكن أن تتطلب دولة واحدة التحكيم كان أمراً غريباً.. ولكن ولحسن الحظ فقد أتاح الاتفاق الأخير في أديس في 20/6/2011 في مادته الثانية في المقدمة، مساحة معقولة للخروج من مطب التحكيم الدولي، إذ تقول المادة 2 بنود هذه الاتفاقية يجب أن لا تمس الوضع النهائي لمنطقة أبيي كما حددتها محكمة التحكيم الدائمة إلا إذا تم تعديلها بالبنود في الاتفاق هذا.. هذه الاتفاقية تحترم كل ما جاء في بروتوكول أبيي وأن حدود الأول من يناير 1956 بين الشمال والجنوب غير قابلة للتعديل ما لم يتم تعديلها كنتيجة لما سيحدث من نتائج استفتاء أبيي أو حسب بروتوكول أبيي الأصلي أو قرار آخر يتفق عليه الطرفان (المؤتمر والحركة)، للوضع النهائي لأبيي.. أو هذه تفتح الباب مشرعاً للعودة إلى مائدة المفاوضات السلمية المفضية إلى الحل المستدام.
ختاماً ومما تقدم يظهر جلياً أن بروتوكول نيفاشا الخاص بمنطقة أبيي به كثير من الغموض والتناقض والضبابية الرمادية، لا يمكن به الوصول إلى سلام مستدام وهو الذي أدى إلى اللجوء للتحكيم الدولي وإلى الحرب الأخيرة والتدخل الدولي الجديد، علينا أن نستثمر ما أتاحه لنا الاتفاق الأخير في مادته الثانية في المقدمة لتقليص فترة بقاء القوات الأممية في السودان والحل الودي البلدي عبر إعادة التناغم التاريخي بين قبيلتي المسيرية والدينكا نقوك الذي عاش مائة عام منذ 1905 حتى 2005م، والعمل بالمثل الإنجليزي الذي يقول:
«Dont Prolong Agony» «لا تطيل المعاناة».
مهندس مستشار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.