الحكومة الآن في قمة المزاج العالي، وأعلى درجات (الإنبساط) والراحة والطمأنينة، وكثير من منسوبيها يردد سراً أغنية وردي (بلا وانجلا) بعد انفصال جنوب السودان وقيام دولة أفريقية جديدة على أرضه.. وليست هذه هي القضية، لأن الأمر أعقد من ذلك بكثير. صحيح أن الحكومة ارتاحت من (نقة) الشريك الآخر ومن مشاكسته، وإن بقى بعض إزعاج الحركة الشعبية ومنسوبيها في ولايتين من ولايات السودان الجديد الخمسة عشر اللتين حذّرت قيادات نافذة داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان عندما كانت شريكة في السلطة من أنهما- أي الولايتين- ستكونان جنوباً جديداً للسودان. قطعاً الحركة الشعبية لتحرير السودان فشلت في مشروعها الكبير ولم تحرر إلا (رقبتها) من طوق السودان القديم، وخرجت بثلث مساحة السودان غنيمة باردة فرح لها أكثر الشماليين الذين شعروا بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وإن خروج الجنوب عبر فتحات صناديق الاقتراع من إطار السودان الكبير هو أعظم إنجاز سياسي واجتماعي واقتصادي تم منذ أن تم إنزال العلمين البريطاني والمصري من سارية القصر الجمهوري في الأول من يناير عام 1956م، ورفع العلم السوداني القديم بألوانه الثلاثة بدلاً عنهما، وحتى لحظة إنزال علم السودان (الحديث) بألوانه الأربعة ورفع علم الحركة الشعبية بدلاً عنه في «جوبا» عاصمة ما كان يعرف بجنوب السودان. ارتاحت الحكومة، لكن المواطن ما زال يعاني.. غادر الجنوبيون الوظائف والعطالة لم تزل تمد لسانها للجميع، عشرات الآلاف من أبناء الولاياتالجنوبية- سابقاً- وأبناء الدولة الجارة جمهورية جنوب السودان مازالوا في إنتظار المغادرة أو تسوية أوضاعهم توطئةً للخروج النهائي، ومع ذلك تطير أسعار اللحوم والخضروات والسلع التموينية، ونحن مقدمون على شهر رمضان المبارك الذي يعتبر الأعلى استهلاكاً من كل شهور السنة، والحكومة تعلق كل ذلك على شماعة الانفصال، وقد أصبح الانفصال هو الشماعة الحكومية الجديدة اللامعة التي تقبل أن يتم تعليق كل خطأ أو تبرير منطقي أو غير منطقي عليها. والله إننا نخشى أن نربط بين ارتفاع معدلات الحوادث المرورية بالانفصال وكذلك ارتفاع أسعار الإيجارات وأسعار العقارات وعدم توقيع حركتي خليل وعبد الواحد وارتفاع الضرائب على الاتصالات ودعم السكر والمحروقات، وارتفاع نسبة الطلاق- على اعتبار أنه انفصال- بإعلان جمهورية جنوب السودان.