يتكالب الناس على الدنيا وزخرفها.. كأنهم يعيشون أبد الدهر.. ويأكلون أموال الناس بالباطل.. ويحتكرون السلع.. ويضيقون سبل العيش دون أن تتحرك ضمائرهم أو يعتريهم خوف من الكتاب الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.. ولا اليوم الذي يجدون فيه ما عملوا حاضراً، يودون لو أن بينهم وبينه أمداً بعيداً..! يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم..! كان بين الإمام أبي حنيفة النعمان- رحمه الله- ورضي عنه وبين رجل من البصرة شركة في تجارة، فبعث إليه أبو حنيفه سبعين ثوباً ثميناً وكتب إليه «إن في واحد من هذه الثياب عيباً وهو ثوب كذا..» فإن بعته فبيِّن ذلك العيب حتى لا تغبن المشتري..!! فباعها شريكه بثلاثين ألف درهم، وجاء بها إلى أبي حنيفة فسأله؟ هل بيَّنت العيب؟ فقال الرجل: نسيت ذلك؟ فتصدق أبو حنيفه بجميع ثمنها ولم يأخذ منه شيئاً!! وقال أحد الزاهدين «أبو القاسم بن محمد»: كنا نسافر مع «ابن المبارك» فكثيراً ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي: بأي شيء فضل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؟ إن كان يصلي فإنا نصلي وإن كان يصوم فإنا نصوم؟ وإن كان يغزو فإنا لنغزو وان كان يحج فإنا لنحج؟ قال القاسم: فكنا في بعض مسيرنا في طريق الشام ذات ليلة فوضعنا رحالنا لنبيت.. وإذ نحن كذلك إذ انطفأ السراج.. فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يطلب له زيتاً، فمكث هنيهة ثم جاء بالسراج فنظرت إلى وجه «ابن المبارك» ولحيته قد ابتلت بالدموع.. فقلت في نفسي: بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا..! فسألته فقال.. كلما أتى الظلام ذكرت القبر وظلمته ووحشته فأبكي خوفاً وجزعاً منه ومن يوم القيامة..!! روى عن سعيد بن العاص أنه كان يطعم الناس في رمضان فتخلف عنده ذات ليلة شاب من قريش بعدما تفرق الناس فقال له سعيد: أحسب أن الذي خلفك حاجة تطلبها؟ قال نعم؟ أصلح الله الأمير.. فاطفأ سعيد شمعة تنير المكان ثم قال ما حاجتك؟ قال أن تكتب لأمير المؤمنين أن عليّ ديناً ألف دينار واحتاج إلى مسكن؟ فقال سعيد خذها منا ونكفيك مؤونة السفر! فكان الناس يقولون إن إطفاء الشمعة أحسن من إعطاء المال!! لئلا يرى في وجهه ذل المسألة!! زاوية أخيرة: سبحان الله لمثل هؤلاء زخرفت الجنان.. ففي حياتهم دروس وعبر لمن أراد أن يعتبر!!