أخيراً وبعد زهاء الستة أشهر من القتال غير المتكافئ واستشهاد الآلاف منهم، مرة بنيران كتائب القذافي وأخرى بالنيران الصديقة لطائرات حلف شمال الأطلنطي، استطاع «الجرذان» ومتعاطي حبوب الهلوسة بحسب وصف القذافي لهم في الأيام الأولي للثورة الليبية أن ينتصروا بجدارة على «ملك ملوك أفريقيا» و آلته الحربية الشرسة وكتائبه المتوحشة «لحم الراس»، والتي كانت تتألف من المرتزقة والمأجورين من شتى بقاع الدنيا لا يجمعهم غير الإرتزاق والتكسب من قتل الأبرياء من الشعب الليبي، وشاء الله أن يتخذ من الثوار شهداءهم الآن أحياء عند ربهم يرزقون يشهدون تتويج جهادهم ضد الطاغية بهذا النصر المؤزر ويرون رفقاءهم وقد أكرمهم الله بثانية الحسنيين بالنصر على عدوهم في هذا الشهر الكريم شهر الانتصارات الكبرى في تاريخ المسلمين.. وبهذا يكون قد أُسدل الستار على صفحة شديدة القتامة في تاريخ الشعب الليبي استمرت مفتوحة بسوءاتها لمدة «42» سنة، وفتح صفحة جديدة لتاريخ ومستقبل قطعاً سيكون واعداً وأكثر نصاعة. وبزوال «مُلك» القذافي انطوت صفحة ستة أشهر من القتال وقّع الطرفان فيها علي دفتر الأحداث ، كلاً بكسبه، فالثوار وقعوا على دفتر المجد والشرف والعزة والكرامة والبسالة، وكتائب القذافي والذين معه وقعوا على دفتر البغي و الخزي والخيانة والغدر والجبن والارتزاق، وللتاريخ ولكي لا تنسى الأجيال القادمة ولا ينسى الشعب الليبي فإن حركة العدل والمساواة بقيادة أمير الحرب خليل إبراهيم كان لها «شرف» التوقيع على دفتر الفئة الثانية الفئة الباغية حتى آخر يوم من أيام نظام القذافي، فقد خاضوا مع ولي نعمتهم معاركه كلها لم يتخلفوا عنها و «شدّوا الجرذان» جنباً إلى جنب مع كتائبه وطاردوهم من بيت إلى بيت ومن دار إلى دار ومن زنقة إلى زنقة . ومن آيات الله أن تدور الدائرة على القذافي ومناصريه ويتحولون إلى مجرد «جرذان» حقيقيين متناثرين في أنحاء متفرقة من طرابلس يكاد الرعب يقتلهم لا يربط بينهم رابط وينقطع الاتصال بينهم وبين «الجرذ» الأكبر الذي يختبئ في جحر كبير ونفق تم حفره خصيصاً لهذا الغرض، وقد يردى قتيلاً أو يتم القبض عليه في أي وقت عما قريب مثلما تم القبض علي «عمله غير الصالح» نجله سيف الإسلام الذي ظل يتبجح ويفاخر بشن الحرب والتقتيل ضد الأبرياء من أبناء شعبه وأقسم بأغلظ الأيمان أنه وشرذمته سينتصرون على الثوار فما أبر بقسمه، بل أصبح أسيراً تحت قبضتهم لا حول له ولا قوة بعد أن استسلمت الكتيبة الرئيسية المسؤولة عن حماية القذافي وقررت إلقاء السلاح والتخلي عن الدفاع عنه، فاللعبة هناك قد انتهت بفوز الثوار وهزيمة وانكسار الطغاة والمرتزقة. ومن عجب أن يخرج الدعي «موسى إبراهيم» المتحدث باسم القذافي في مؤتمر صحفي ليدعو وبراءة الأطفال تنسال من بين فكيه ولسانه وشفتيه إلى وقف فوري لإطلاق النار والتفاوض للبحث عن حل سلمي للأزمة !! وهو الذي كان يطلق اللاءات في وجه كل المبادرات السلمية والمقترحات التي كانت تقدم للنظام. الرجل الثاني في نظام القذافي عبد السلام جلود والذي التحق بالثوار وانشق عن القذافي مؤخراً، قال قبل يومين إن ساعة الحسم قد اقتربت، وشن هجوماً لاذعاً على صديقه القديم القذافي وقدم شهادة تاريخية للعالم وللشعب الليبي قائلاً إن القذافي آخر من يتكلم عن الوطنية والدين والاستعمار، وإنه سبب خراب ليبيا وأنه «مسكون» بحب السلطة . إن ما حدث للقذافي ينبغي أن يكون درساً مفيداً وعبرة يعتبر بها المصنف التالي بشار سوريا الذي بشّر شعبه بمزيد من القتل والدمار إن لم يكفوا عن الاحتجاج ضده و كان له وما يزال نصيب «الأسد» في حصد أرواح أبناء شعبه والتنكيل بهم بزعم أنهم متمردون وعملاء لجهات خارجية معادية تستهدف أمن سوريا «حكومة» و «شعباً» وتريد النيل من وحدة واستقرار سوريا، والغريب جداً في المسألة السورية أن بشار يصر على السير قدماً على طريق وأثر القذافي حذو النعل، وأن الغباء هو سيد الموقف في تعاطي الأسد مع أزمته، وهو الرجل الذي كان يوصف غداة خلافته لأبيه في حكم سوريا بأنه متفتح العقل ذو ثقافة غربية و يؤمن بالحوار والحلول الوسط، وأنه قريب من نبض الشعب.. ولكن تعاطيه مع الأزمة في بلاده أثبت أنه لا يملك من تلك الصفات شيئاً، بل اتضح أنه لا يفكر ولا يحسب خطواته، بل يندفع معتمداً على القوة المادية والتي أصبحت لا تخيف المحتجين، وأضحى الموت غير مهاب بل حدثاً يومياً تعايش معه ثوار سوريا وأصبح لهم بمثابة صديق ومصير يتوقون إليه ويرحبون بمقدمه. إن المعادلة التي أصبحت عصية جداً علي الاستيعاب والفهم على العقل المدبر والمفكر لنظام الأسد ومن قبله نظام القذافي ونظام صالح في اليمن و مبارك في مصر وبن علي في تونس، هي أن العلاقة طردية بين مستوى ودرجة القمع وبين مستوى ودرجة الاحتجاج والمطالبة بإسقاط النظام، فكلما زاد النظام في مستوى ودرجة العنف والقمع، زاد تبعاً لذلك مستوى ودرجة تصعيد الاحتجاج والإصرار على المضي نحو إسقاط النظام وهو ما يحدث الآن في سوريا، فوتيرة الثورة في ازدياد واضطراد كرد فعل طبيعي لازدياد القمع من جانب النظام والذي أصم أذنيه عن سماع أصوات الناصحين له والمشفقين عليه وعلى شعبه وعلى رأسهم تركيا التي بح صوتها وهي تبذل النصح له ليل نهار لتدارك الأمر، وحتى حسني مبارك «رهين المحبسين» لم يبخل وهو في محنته التي لا يحسد عليها من تقديم النصح له بالنزول عند رغبة شعبه، وهي نصيحة غالية جداً لأنها من «مجرب»، ولكنه جعل أصبعيه في أذنيه، واستغشى ثيابه عن رؤية ما لحق بمبارك وصالح والقذافي، فالأول قيد المحاكمة ذليلاً مهاناً هو وبطانته مهطعين مقنعي رؤوسهم، والثاني حرّقته نيران حراسه فاسود وجهه وهو كظيم وحلّ ضيفاً ثقيل الظل على السعودية ملتحقاً ببن علي ولكن تحت لافتة العلاج، والثالث انتهى حكمه وأصبح طريداً من قبل شعبه داخل وطنه فهل يعتبر «الأسد»؟