يا حبيب الشعب هل أبكي أم أغني.. والشجى أكبر مني.. والأسى أعمق من صوتي ولحني.. كيف أبكي وأغني.. وسأغني.. سأغني.. ومالحة الكلمات في فمي يا زيدان، حزين أنا حد الوجع.. بل النحيب.. أيها الغالي الحبيب.. ولماذا لا أغني.. في يوم رحيلك الفاجع الدامع الحزين.. لماذا لا أغني.. وأنت من جعلت الخاسرين عشقهم يتحلقون حول.. خيمة مواساتك الباهرة.. الواسعة.. كيف لا أغني.. وأنت منديل رطيب.. كم.. كم.. جففت به دموع اولئك الذين اودعوا.. أحلامهم.. وآمالهم قلوباً في غلظة الحجارة.. ولكن.. لماذا الرحيل خلسة وبلا وداع.. أكنت تخشى علينا.. هول الرحيل وقسوة «مع السلام» آه يا زيدان.. آه من تلال الوجع.. من هاطل الدموع.. من حرقة الذكريات.. من لوعة التذكارات.. يا إلهي.. بالأمس كنت أعربد في نشوة طير طليق.. أتقافز كما الأطفال في العيد.. أفرح في جن وجنون.. وساهرون.. تنقل لي عبر انفاس الزهر.. الروائع والبدائع.. أكتب بل يكتب قلمي.. بعصارة زهر البرتقال.. افتتاناً.. واحتفاءاً.. بوابل مطر من الامتاع والإبداع.. واليوم.. اتلقى من نفس الإذاعة.. من نفس الاستديو.. من نفس.. زهير نبأ رحيلك الفاجع المروع.. وينسحب الضوء من كون عيوني.. وتظلل سماء.. فؤادي سحابة داكنة سوداء متجهمة من الخوف.. والفزع.. وينطلق.. فجأة.. من آخر عقلي.. شريط.. طويل.. من الصور الممراحة.. المترفة.. وأنا أتذكر.. كيف انشقت الإذاعة.. وقتها- وانجب برنامج أحمد الزبير.. (أشكال وألوان).. طفلاً معجزة هدية من السماء.. إلى حقول ورياض.. وحدائق الغناء.. واختيار حاسم موفق صميم.. والمدرسة.. الأهلية.. تلك التي تدفع بالنيازك.. والكواكب.. والنجوم الباهرة المضيئة إلى حجرة الوطن.. المدرسة تخيرك بين الدراسة والغناء.. في شجاعة.. في بسالة.. في تصميم.. في ثقة بالنفس.. في قراءة سحرية للقادم من الأيام.. تختار يا زيدان الغناء.. ومرة أخرى.. تدفع الأهلية.. بهدية بالغة البهاء للوطن.. وتبدأ المسيرة.. سحب بيضاء كحملان الخريف تتجمع.. في سماء الوطن.. ثم رذاذ خفيف ينعش.. ويرد الروح.. ثم وابل من المطر.. هكذا كانت رحلة حياتك مع الكلمة واللحن والطرب.. لم تبخل على أية فئة من فئات شعبك.. بمباركة.. أو مشاركة أو عزاء.. غنيت.. للكل.. بلا فرز.. وهبت روائع النشيد.. للأحبة.. وهم يركضون حفاة.. على روعة العشب الأخضر.. يتعابثون في فرح عاصف.. كنت معهم.. وكانت وسط الزهور متصور وجهه الصبوح ومنور.. في سبيل.. دفق.. أكواب من السعادة و أنت «ترش» بها قلوباً ذابت من الوجد والوجع والهوى.. أسرعت إلى قاهرة الدكتور إبراهيم ناجي.. لتحضر معك.. في «شنطة الهدايا».. بهيج الحروف.. أناقة الكلمة.. ثراء المفردة.. جزالة العبارة.. رائعة الدكتور.. داوي ناري.. وما زلت تركض.. للامساك بالفراشات الملونة.. وهي لا تكاد تستقر على هامات الزهر..حتى انفجر الابداع.. راقياً ورفيعاً.. لامس كل فؤاد داعب كل قلب.. استقر في كل وجدان.. صار الكل يردد.. يا غالية يا زينة حياتي.. مشتاق لي شوفتك لي زمن.. يا زيدان.. هل صحيح.. أننا لن «نشوفك» بعد اليوم.. نعم.. ولكن أرقد في سلام.. نحن سنستمع إلى روائعك.. ما أصبح صبح ما أليل ليل.. لن نتركك تبتعد.. وأنت حاضر بيننا.. ما ردد الصدى.. مين علمك يا فراش.. أنت في وجداننا.. ما ترنم أو دوى في فضاء.. صوتك يردد في دهشة اسير حسنك يا غالي.. ما تدفق من أي مكرفون عبر إذاعة.. أو شاشة.. رائع وبديع شدوك.. في بعدك يا غالي أضناني الألم.. أيها الصديق الحبيب.. صحيح أن تلك الكلمات المكتوبة بالنزيف الراعف.. من القلوب.. بل تلك التي غمس فيها الشاعر.. ريشته في محبرة الوريد.. صحيح أنها لبابكر الطاهر شرف الدين.. ولكن الصحيح أيضاً.. أنك ألبستها ثياب حداد وسواد.. مطرزة بحبيبات الدموع.. حتى صارت «لبسة» لمئات الخاسرين عشقهم.. ورغم المناحة.. والنحيب.. و «الظروف المعاكسة».. رغم الفجيعة.. والأسى.. يرددها هؤلاء.. عزاء وسلوى.. ورضاء.. وتسليماً.. بالهزيمة.. يا صديقي.. إنها في الليلة ديك التي «شاف» فيها الكثيرون الدموع خلف الرموش.. وسلام عليك.. وأنت تشارك الفرح.. وسلام عليك وأنت تساهم في العزاء..