في الذكرى السابعة والأربعين لثورة 21 أكتوبر التي أطلق عليها (ثورة أكتوبر المجيدة)، و(أكتوبر الأخضر) وتغنى لها الفنانون وألهمت الشعراء الذين كتبوا عنها كأمجد ثورة في تاريخ السودان الحديث ضد الدكتاتورية والاستبداد كما وصفها مفجروها، استبعد الأستاذ ربيع حسن أحمد قيام ثورة مثل ثورة أكتوبر في ظل الأوضاع التي يعيشها السودان الآن، وعزا ذلك لكثرة الأحزاب المسجلة وغير المسجلة والتي تشهد خلافات وانقسامات فيما بينها، بالإضافة إلى الميول إلى الحزبية في النقابات والاتحادات والفئات المختلفة، وفي سرد تاريخي روى لنا رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الذين كانوا رأس الرمح في تلك الفترة، حقيقة تفاصيل ثورة أكتوبر وأسباب قيامها ونجاحها ومن كان لهم القدح المعلى فيها، وحقيقة استشهاد أحمد القرشي أول شهداء الثورة، وأوضح كيف أنهم استطاعوا تنظيم الجبهة الوطنية القومية والأسباب التي أدت إلى رفض أساتذة جامعة الخرطوم بأن يمثلهم دكتور الترابي، واستعرض الأخطاء التي حدثت بعد الثورة ونقل السلطة من الفريق عبود للأحزاب، وكشف عن دورالاتحادات والنقابات والأحزاب في تلك الفترة، وأكد أن الختمية كانوا مؤيدين لنظام عبود وأرسلوا مذكرة أطلق عليها نظام عبود اسم (مذكرة كرام المواطنين). صف لنا الوضع العام قبل ثورة أكتوبر والأسباب التي دعتكم للقيام بثورة؟ - كانت حكومة نوفمبر في البداية مجلساً عسكرياً وبعد ذلك تم تعيين عبود رئيس جمهورية، وكان لهم شيء يعرف بالمجلس المركزي عبارة عن هيئة تشريعية رئيسها أحد العسكريين، وكانت تعطي مجالاً لما تريده الحكومة ولم يحدث تطور كثير في تلك الفترة خاصة في الاقتصاد الذي كان أبرز نقاط فشل الحكومة، لذلك كانت المعارضة شديدة ضد النظام، وكل القوى السياسية تعرضت للقمع، ومن قاموا بمحاولات انقلابات عسكرية تم إعدامهم وكانت شعبية الحكومة قليلة جداً، ولم تسبق حكم أكتوبر أحداث بعينها دعت أن ينتفض الناس ولكن كان الموقف السياسي هو هكذا منذ بداية عبود، وكانت الجامعة دائماً هي رأس الرمح المعارض، وفي سنة 1963 قامت الحكومة بإجراءات كثيرة بغرض قمع الطلاب لأنهم كانوا الجهة الوحيدة المتحركة. وأين كانت قيادات المعارضة خارج الجامعة المتمثلة في الأحزاب السياسية؟ - المعارضة خارج الجامعة كانت فعاليتها تتضاءل خصوصاً بعد وفاة الصديق المهدي، لذلك أصبح الطلاب هم الفئة الخطيرة في الجامعة والثانويات مما دعا الحكومة كما ذكرت، سنة 1963م لتغيير قانون الجامعة والهدف منه الحد من حرية الطلاب، لأن الجامعة كلها متمسكة طلاباً وأساتذة، بمبدأ استقلال الجامعة. لكن يقال إن فترة حكم عبود شهدت انتعاشاً اقتصادياً، وفي تلك الفترة أصبح السودان يصدر للخارج وأنشئت الكباري والطرق وأصبح الناس بعد سقوط عبود يرددون (ضيعناك وضعنا وراك)؟ - هذا كان يقال من باب العواطف أكثر من باب الحقائق، خاصة أن الشعب السوداني دائماً ما يتعاطف مع النظام الذي يزول عندما يكونون متضايقين في لحظة من النظام الذي يحكم.. لكن في الحقيقة نظام عبود كانت لديه مشاكل اقتصادية حتى التداول في ميزان المدفوعات والدولار مما اضطرهم لإجراء تغيير في وزارة المالية وأتوا بمأمون البحيري الذي كان محافظاً لبنك السودان في ذلك الوقت، جاء وزيراً للمالية وألقى خطاباً قال فيه (إن الوضع المالي وضع صعب جداً)، وكذلك لم يحدث تطور في عهد عبود وكل ما قام به هو عمل اتصالات مع روسيا والدول الشرقية طمعاً في أن يجدوا شيئاً، لأنهم لم يجدوا من الأمريكان كثيراً، فالأمريكان عملوا طريق المعونة وطريق مدني الذي لم يعملوا فيه كثيراً، ولم يحدث توسع لا في التعليم ولا السكة حديد في عهده، فحكومة عبود ورثت وضعاً مالياً يعتبر جيداً، ويقال إن الحكومة التي سبقتهم حكومة عبد الله خليل، اتخذت لفترة سياسة تقشفية وكان متوفراً لها شيء من المال، لذلك حكومة عبود متهمة بالقيام بنوع من التبذير في الاحتفالات الضخمة بذكرى نوفمبر، أما في ما يختص بالتصدير، فقد أتوا من الشرق بمصانع صغيرة وهي مصنع البصل في كسلا، ومصنع الطماطم في كريمة ومصنع آخر في الجنوب، وكلها مصانع صغيرة وليست من النوع الذي يحدث أثراً كبيراً في الاقتصاد، ولم نشهد مشروعاً كبيراً في تلك المرحلة، وربما أكملوا أشياء ومشروعات كان قد بُديء فيها، فقد أكملوا مشروع المناقل وسمي 24 عبود، وكذلك السكة الحديد فقد أكمله عبود إلى بابنوسة. أنتم كطلاب هل استغللتم الوضع السياسي أم الاقتصادي في تحريك الشارع؟ - الوضع السياسي أكثر، فالانفعال في الشارع كان سياسياً أكثر منه اقتصادياً، لأن الناس كانوا حديثي عهد بالنظام الديمقراطي، والقيادات الحزبية في ذلك الوقت كانت في عمر تستطيع الحركة وكان لها بريق، وفي وسط المثقفين بالذات كان هناك عدم رضا من الحكومة، لأنها حكومة عسكرية واحتلت كل المواقع القيادية ومجلس الوزراء كان أغلبه عسكريين، وكل المديريات كان يحكمها عسكريون، وهذه المسألة جعلت النظام من ناحية سياسية، نظاماً مرفوضاً، لذلك رأينا أن تقوم هذه الثورة على هذه الفئات، لأن القيادات الحزبية كانت عاجزة عن تحريك الجماهير. في تلك الفترة ما هو الحزب الذي كان أكثر بريقاً، وما هي الأحزاب التي كانت أكثر تحركاً؟ - الحزبان الرئيسيان هما الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة بقيادة الصديق، ولكن بعد وفاة الصديق أتى الإمام الهادي ولم يكن له باع ولا وجود في السياسة، والصادق المهدي كان في بداياته شاباً صغيراً في السن، أما الختمية فكان على رأسهم الميرغني، لكنهم كانوا مؤيدين لنظام عبود وآثروا أن يؤيدوا النظام من بداياته وأرسلوا مذكرة مشهورة لعبود أطلق عليها نظام عبود اسم مذكرة كرام المواطنين، فلذلك حزب الأمة كان له بريق أكثر من أي حزب آخر، ولكن الأحزاب المتحركة في الفئات الحديثة هي الحزب الشيوعي والاتجاه الإسلامي. هل كان لحزب الأمة والاتحادي الديمقراطي وجود فاعل في الجامعات؟ - في الجامعات لا وجود لهم. حدثنا عن تداعيات الندوات التي استطاعت تحريك الشارع؟ - كانت التداعيات كالآتي، الوضع في الجنوب تردى بعض الشيء عسكرياً وبدأت بعض الخسارات الكبيرة في وسط ضباط الجيش، فقامت الحكومة بمبادرة وهي الحديث علناً عن مشكلة الجنوب، وبدأت في تشجيع الناس بالحديث عن مشكلة الجنوب وقامت ندوة بهذا الغرض وكانت ندوة عادية لتناقش الموضوع مناقشة علمية، ولكنهم فوجئوا بأن الحديث في الندوة أخذ منحى سياسياً، وكان من بين المتحدثين في الندوة دكتور الترابي وكان حديثه حديثاً سياسياً دعا فيه نهاراً بأن حل هذه المشكلة أن تكون هناك حريات وحكومة منتخبة، وبعد ذلك قامت ندوة بجامعة القاهرة فرع الخرطوم تحدث فيها الأستاذ محمد صالح عمر والأستاذ علي عبد الله يعقوب وآخرون، أخذت كذلك منحى سياسياً آخر، وعندما أخذت الأمور هذا الشكل منعت وزارة الداخلية قيام الندوات وأعطوا تعليمات لإدارة الجامعة بأن لا تسمح بقيام ندوة، ولكن الاتحاد أصر على قيامها، وبعد أن بدأت الندوة تفرقت بتدخل الشرطة، وفي اليوم التالي رفع الاتحاد مذكرة لوزارة الداخلية يحتج فيها على دخول الشرطة إلى حرم الجامعة، وما كان من وزارة الداخلية إلا أن اعتقلت اللجنة في سجن كوبر، وفي نفس اليوم اجتمع مجلس الاتحاد وكون لجنة جديدة وكنت أنا رئيسها، وكانت أجندة اللجنة قيام الندوات رغم المنع، بالإضافة إلى متابعة العمل المعارض للنظام. ... نواصل