تسعة وثلاثون عاماً مرَّت منذ أن قام الرائد المرحوم هاشم العطا بقيادة إنقلابه المفاجئ على نظام (25) مايو 1969م، الذي كان قد جاء به عضواً بمجلس قيادة الثورة الذي ترأسه العقيد أركان حرب جعفر محمد النميري وناب عنه في رئاسته لأول مرة في تاريخ الإنقلابات العسكرية رجل مدني هو القاضي بابكر عوض الله الذي بلغ في القضاء أعلى درجاته. اليوم تُخرج الكثير من الأُسر مناديلها لمسح الدموع في ذكرى الذين رحلوا برصاصات الغدر أو الخيانة أو برصاصات الرفاق الميامين الذين كانوا رفقة فكر وعقيدة وسلاح لكن السلطة وقفت حاجزاً بين الرغبات والطموح وبين تسوية الطريق نحوها، فوقعت المجازر والمذابح التي فقدنا فيها عدداً من خيرة أبناء القوات المسلحة وأبناء هذا الوطن من ساسة ومفكرين. جاء إنقلاب (19) يوليو 1971م مثلما قال بذلك بيان قائده الفعلي الرائد هاشم العطا - رحمه الله - حركة تصحيحية لمسار (ثورة مايو) التي رأى قادة (19) يوليو أنها انحرفت عن المسار الصحيح، وما بين يوم الإنقلاب الذي وقع نهاراً وتحت ضوء الشمس إلى يوم غروب شمسه في الثاني والعشرين من ذات الشهر، وقعت أحداث كثيرة لكنها غامضة ووقعت بعد ذلك أحداث أخرى أكثر غموضاً تتصل بما يلى عودة الرئيس نميري - رحمه الله - إلى تسلم مقاليد السلطة من جديد في إنقلاب مضاد قاده ضباط الصف والجنود في القوات المسلحة، ومن تلك الأحداث الغامضة وقائع ما جرى داخل بيت الضيافة في الخرطوم والتي راح ضحيتها (29) ضابطاً من خيرة ضباط القوات المسلحة.. ومن بين تلك الأحداث أيضاً تفاصيل محاكمات قيادات الحزب الشيوعي والدوافع التي أدت إلى إصدار أقسى الأحكام في مواجهتهم مثل إعدام المرحومين الأستاذ عبدالخالق محجوب والأستاذ الشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق وغيرهم.. وقبل ذلك إعدام المرحوم هاشم العطا المنفذ الحقيقي للإنقلاب وإعدام المرحومين فاروق عثمان حمد الله وبابكر النور سوار الذهب، رحمهم الله أجمعين. الدموع التي سالت، والتي سوف تسيل اليوم أو غداً لن تمحو الأحزان ولن تغير من الواقع أو الحقيقة، لكننا نحاول أن نقرِّب من بعض النقاط المتصلة بالذي جرى ويغيب عنا وعمن سبقونا من أبطال وقضاة وضحايا وشهداء تلك الفترة.. معلومات كثيرة تغيب خلف جدر الصمت وربما الخوف.. أمس احتفلنا (مهنياً) بطريقتنا - في آخرلحظة - بذكري (19) يوليو بأن استضفنا أحد أبرز الذين لعبوا أخطر أدوار تلك المرحلة وهو الأخ عثمان الكودة الذي قام بالاشتراك مع آخرين بتهريب سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني المرحوم الأستاذ عبدالخالق محجوب من معتقله في مصنع الذخيرة بالخرطوم في اليوم الثلاثين من يونيو عام 1971م لتقع الواقعة بعد ذلك بأسابيع قليلة وتبدأ مرحلة خطيرة في تاريخ الحزب الشيوعي الذي تضعضع بالانقسامات وغيرها. نسأل الله أن نكون قد ثبتنا بعض الوقائع الحقيقية من خلال الحوار المفتوح الذي أدرناه أمس مع الكودة وننشره في صفحة أخرى بالداخل .