إلتقاها ذات مساء هربت ساعاته من روزنامة العمر ، كان اللقاء عن طريق الصدفة ، كان الرجل يجلس على ضفة الصمت ، يركض في غرف الريح المجنونة ، يعاني من الوحدة ، ويأكل من رغيف الحزن . حينما رآها أشعل لفافة من التبغ وهرب مع خيوط الدخان ، عبرت بجانبه ، وخطواتها تنهض على الأرض مثل مهرة جموحة . ، كانت إمرأة مثل شجرة الحلم نابضة بايقاع الحياة ، ناعمة مثل نبع يعزم في ضفافه النسيم ، تأملها هتف من أعماقه . يخرب بيت عيونك يآآآآآآآآآآآآه ده إنتي رهييييبه . ضحكت المرأة وأشرقت قسماتها لصراحة الرجل ، ووقفت تتأمل هذا الغريب ذو اللسان المفلوت الذي إقتحمها هكذا بدون إحم ولا دستور أنت صريح وجريء تقصدين لساني مفلوت ورجل غير متزن اتسعت دائرة إبتسامتها كطائرة يعبر في متاهة الشجون . لا يا زول حاشاك ولكن لم أتعرض إلى مثل هكذا إقتحام من قبل . يا سيدتي لم أتمكن من لجم لساني ، أرجو أن تسامحيني قالها وهو يزفر تنهيدة بركانية منطفئة . في تلك اللحظة توقفت المرأة وشبح إبتسامة يتسلق شفاهها المكتنزة ، شفاه مثل غمامة راكضة على أرجوحة النسيم معقوله أزعل ده إنتا عسل إنتا رجل مدهش تقصدين رجل تعيس يتسول الحلم ويمضغ بقايا فرح هرب من حياته . لا لا لا ... ده انت قصتك عميقة . إكتشف الرجل أن ثمة علاقة مبهمة جعلته يركل تحفظه تجاه الآخر وينطلق لسانه مثل اللبلبة ويدهم عالم الحسناء الباهرة بدورها أبلغته انها شعرت للوهلة الأولى لكأنما تعرفه منذ سنوات طويلة ، وأن ملامحة توحي بإنسان إلتقته في مشاوير العمر ، منحته بعض قطع حلوى النعناع ، عندها تهللت أساديره فرحا . يآآآآآآآآآآه . كأنك تعرفين خارطة حياتي أعشق حلوي النعناع وألواح الشيكوته. قالها وهو يمسح شاربه المنتف ويلوك بقايا إبتسامة هاربة من ملامحه الباهتة . قالت وهي تتأمله فيما كان يضع يديه في خط مستقيم على فمه مثل راهب بوذي يعاني من وحشة الليل . ملامحك توحي كأنك بحار هرب من سفينة غارقة لا يا عزيزتي أنا صائد خائب ، تعبت من السفر والترحال ، وأريد أن أضع عصا الترحال في أرض تمنحني الدفء . في تلك اللحظة المشوبة بالصمت لمح ، ثمة حزن ناعم يرتسم في وجهها ، حزن يكبر ويتمدد مثل قمر هارب من أعاصير الزمن . يبدو أن مأساتك أكبر من مأساتي وأن أحزانك صرعت أشجاني بالضربة القاضية ، قالها الرجل وضحك ساخرا من تراجيديا المواقف المؤثرة والجميلة في نفس الوقت . أطلقت المرأة آهة خافتة ، وبدأت تفضفض نثاراً من شجون ملأت سلال حياتها ، كشفت له أن اي إمرأة لو عاشت مأساتها لماتت من يومها ، طيب خاطرها ، وقال وهو يودعها ، لو كنت شاعرا لصنعت من مأساتك ومأساتي قالباً من حلوى الريح ، ضحكت وخرج الإثنان وإيديهما متشابكة مثل طائرين يتسلقان هامات النخيل .