المتابع لقضية شرق السودان والجهود المبذولة لإحداث نقلة تنموية، يدرك أن هناك الكثير من الملاحظات الإيجابية في هذا الشأن، ووقوفاً على الواقع الحالي هناك قد يجد نفسه مذهولاً حينما يرى ولاية البحر الأحمر بعينه، وقد لا يكون بنفس الشعور إذا ما زار ولايتي كسلاوالقضارف، ويسأل نفسه هل هذا اختلاف في الهمم والمنطلقات؟ والشاهد أن الحراك السياسي والاقتصادي نتجت عنه تنمية واضحة في كثير من معالم الشرق نفسه، ولا ينكر إلا مكابرأن اتفاقية الشرق أحدثت واقعاً مختلفاً عما عهدته المنطقة سابقا،ً فضلاً عن التطورالذي تحقق في تغير مفهوم التعاطي السياسي، وما كان بالأمس ليس كما هو الآن.. ولمعرفة النتائج الايجابية والإخفاقات في تجربة اتفاقية الشرق جلست «آخر لحظة» مع الأستاذ محمد عثمان بابكر الخبير الإعلامي وأحد المتابعين والمتخصصين في قضايا تنمية الشرق.. الذي أجاب على الاستفهامات التي وضعناها أمامه في سياق هذا الحوار.. كيف تقرأ الواقع السياسي في شرق السودان؟ - حقيقة الواقع السياسي في الشرق تسوده بعض الاشكاليات والتعقيدات داخل الأحزاب السياسية هناك، حيث شهدت جبهة الشرق انقسامات فظهرت جبهة مؤتمر البجا، وحزب الشرق الديمقراطي بقيادة آمنة ضرار، وحزب الشرق للعدالة والتنمية بقيادة عبد القادر عبد الرحيم، وحزب الأسود الحرة بقيادة مبروك سالم، وحزب الشرق القومي تحت التأسيس بقيادة حسن كنتباي، كنا نتمنى أن تكون الأحزاب موحدة، إلا أنها فضلت الانقسام بعد دخولها السودان، ولا شك أن الانقسامات رمت بظلال سالبة في الشرق، بالرغم من جهود الحادبين على الاستقرار السياسي، ومبادرات عديدة لم يكتب لها النجاح في هذا الشأن. لماذا برأيك قوبلت هذه المبادرات بالرفض وعدم الاستجابة؟ - من يرفضون مبدأ الوحدة لم يقدموا مبررات واضحة ومقنعة، إلا أن الشاهد أن الانقسامات في حد ذاتها تقف وراؤها طموحات شخصية، ولا أجد لهذه الانقسامات مبرراً مقبولاً بحكم اطلاعي على واقع الشرق الذي يحتاج أصلاً لتضافر الجهود المحلية والحكومية، لتعزيز التنمية على كافة الصُعد. هل لك أن تطلعنا على الامكانات الاقتصادية وكيفية توظيفها بشكل أمثل؟ - للحديث حول هذا الأمر ينبغي استطصحاب معطيات مهمة برأي، منها أن مساحة الشرق تبلغ «5» آلاف كيلو متر مربع تبدأ من حلايب حتى الخياري حدود ما كان يسمى بالاقليم الأوسط- الجزيرة حالياً- ويبلغ سكان المنطقة حوالي «5» ملايين نسمة من مختلف قبائل السودان، وحدودنا مع ارتيريا واثيوبيا ومصر، والأخيرة يربطنا معها طريق بري طوله «975» كيلو متراً، من بورتسودان حلايب السويس، لم يتم افتتاحه رسمياً لعله تحت التشاور بين الحكومتين، وهناك طريق آخر يربط القضارف دوكة القلابات إلى داخل اثيوبيا، يعمل بنسبة 100%، تستفيد منه الجارة اثيوبيا في صادراتها ووارداتها بشكل كبير في ظل اتفاقيات مشتركة، وهناك طريق تحت الإنشاء وهو طريق الشوك الحمرة، نأمل أن يرى النور قريباً، كما أن طريق بورتسودان قرورة بطول 280 كلم تحت الإنشاء، وهو جزء من نتائج مؤتمر المانحين الذي عقد مؤخراً بالكويت. لا تقتصر امكانات الشرق اقتصادياً، فهناك ميناء بورتسودان المنفذ البحري للسودان وثرواته البحرية... على المستوى الزراعي ولايتي كسلاوالقضارف تتحدثان عن نفسيها، وبهما مشاريع حلفا إلى جانب مشاريع القاش، كما فاقت الموارد المالية من الميناء ال 60% مقارنة بالأعوام الماضية، لابد من توظيفها بصورة صحيحة. برأيك ما هو دور المثقف هناك في رفع مستوى تأهيل الكوادر البشرية والتنمية عموماً؟ - معدلات الأمية كانت متفاقمة، وكانت مهدداً ضمن الثالوث القاتل «الجهل، الفقر، المرض»، إلا أنه في الوقت الراهن هناك طفرة كبيرة في مستوى الوعي وانتشار دور التعليم،، وانتهز هذه السانحة لأقدم تقديري وشكري لوالي البحر الأحمر السيد محمد طاهر إيلا ومشروعه الناجح «الغذاء مقابل التعليم» لمحاربة ظاهرة التهرب من التعليم،، ودور الفئة المثقفة كبير جداً في نشر الوعي عبر مراكز البحوث والدراسات بصورة علمية، ومن ثم رفع مستوى التأهيل المهني والأكاديمي للكوادر البشرية وبدورها ترفع مستوى التنمية. كيف تقيِّم اتفاقية الشرق إيجابياتها وسلبياتها؟ - لابد من الحديث حول هذا الأمر بشفافية، حيث نعترف بأن الاتفاقية أوقفت نزيف الحرب، واعترفت بالتهميش، الذي كان ملازماً للشرق سياسياً واقتصادياً، ووضعت حلولاً لقضايا الترتيبات الأمنية، وتقسيم السلطة والثروة، وما يسر إنسان الشرق أنه ولأول مرة يتم تمثيله في القصر الجمهوري بشخص موسى محمد أحمد كمساعد لرئيس الجمهورية، بينما شغلت لفترة د. آمنة ضرار مستشاراً للرئيس، وبرأي أن المرأة في الشرق كانت تعاني من قيود العادات، وقد تم تجاوز هذا المفهوم. كما أن هناك تفاهمات جيدة لأوضاع عدد مقدر من أبناء الشرق، حيث تم دمجهم في القوات النظامية، فيما تم تسريح من لا تنطبق عليهم لوائح الدمج، ومشكورة قامت مفوضية نزع السلاح وإعادة الدمج والتسريح بتوفير وسائل انتاج لهم، كما تم تشكيل لجنة عليا لهذا الأمر برئاسة صلاح باركوين عضو مجلس الولايات لإعادة تصنيف وتنظيم اعداد المسرحين. أما فيما يتعلق بمسألة الثروة تم تخصيص مبلغ 600 مليون دولار لتنفيذ مشاريع تنموية وخدمية لفترة خمس سنوات مقبلة، بالفعل تم تأسيس صندوق تنمية الشرق بقرار من رئيس الجمهورية، وبموجبه تم تحديد اختصاصات ومهام الصندوق، ونستطيع القول إنه حتى اللحظة تم تنفيذ ما يقارب 600 مشروع خدمي في مختلف الولايات الثلاث، ولم يقتصر ذلك على الدعم الحكومي،، ثم تم إعداد مؤتمر للمانحين بدولة الكويت، وتم رفع 128 مشروعاً بكلفة 4 مليارات دولار، تم الالتزام فعلياً ب5.3 مليار دولار، ووصل مبلغ 50 مليون دولار من الكويت من جملة التزامها 450 مليون، ونؤكد أن الصندوق يقوم بدوره كاملاً بمختلف المشاريع. ولكن هناك حديث من قبل الولايات بأن الصندوق حلَّ مكانها ويقوم بدورها في تنفيذ المشاريع؟ - هذا ليس صيححاً، وتتمثل مهمة استلام المشاريع من الولايات،، والولاية هي التي تحدد المشروع ومكانه وتقدمه للصندوق، وبدوره يقوم بتوزيع عطاءات للتنفيذ. ماذا عن اخفاقات اتفاقية الشرق؟ - أولاً من ضمن هذه الاخفاقات لم يتم تضمين الاتفاقية في الدستور الانتقالي القائم في البيان، لم ينعقد مؤتمر تشاوري لأبناء الشرق، حسب ما نصت عليه الاتفاقية، وما زال ملف الخدمة المدنية معطلاً.. هناك مناطق ما زالت تعاني من آثار الحرب مثل جنوبطوكر وهمشكوريب، ولابد من إعادة البنية التحتية، كما أن المنطقة ما زالت تشهد تدفقات للاجئين من دول الجوار، وهناك مناطق تعاني من الفجوات الغذائية، حيث لابد من وقفة قوية من الحكومة الاتحادية لمواجهة هذه التحديات بصورة يمكن أن تكتمل الصورة الإيجابية بقدر الإمكان لأرض وإنسان الشرق. هناك تمييع لقضايا الشرق ماذا تقول في ذلك؟ - بعض من يتولوا المناصب اختزلوا مصالح الشرق في مصالحهم الذاتية، ولم يولوا القضية الجوهرية اهتماماً يليق بحجمها، لذا يتوجب على تلك القيادات أن تعمل جاهدة لإيصال كلمة ورسالة الشرق والخدمات عموماً، ولابد من نقد ذاتي للقيادات، وإعادة النظر في طريقة تعاملها مع القضية، وبشفافية تامة، والقيادات هي الرابط بين الحكومة صانعة القرار والمواطن في الشرق عموماً. هل هناك تقدم ملحوظ وملموس في حلحلة مشاكل الشرق؟ - نعم بكل تأكيد الصورة تختلف تماماً الآن، ونحن متفائلون كثيراً، وهناك رغبة جادة وعملية من الحكومة لاصلاح الواقع السياسي والاقتصادي الى الأفضل، في سبيل تحقيق العدالة المطلوبة في هذا الشأن. كيف لوسائل الإعلام أن تلعب دوراً محورياً في تعزيز التنمية في الشرق؟ - لولا الإعلام لما كان للشرق أن يشهد واقعاً مختلفاً الآن، إذن دور الإعلام فعَّال وبنَّاء، إذا ما تم توجيهه توجيهاً صحيحاً نحو عكس ما هو جميل وإيجابي والتبشير به، وتوجيه النقد تجاه التقصير للجهات المعنية، لادراك الأمر المنوط ولتقويمه واصلاحه وتطويره، والمطلوب ألاَّ يقتصر دور الإعلام فقط على عكس الجوانب السلبية، بل عليه اظهار الجوانب المشرقة كذلك. هناك حديث حول غياب التراث والفن في حياة إنسان الشرق.. تعلقيك؟ - هذا يرجع للإعلام المحلي وتقصيره في عكس فنون وتراثيات الولايات الطرفية، ونعاتب الإذاعة والتلفزيون القومي في هذا التقصير، حيث هناك عمالقة من الشرق مثل الشاعر اسحق الحلنقي، وقد غنى له وردي وآخرون، وبازرعة غنى له الراحل عثمان حسين، ومحمد عثمان كجراي، هؤلاء ينبغي توثيق أعمالهم وتاريخهم، وأبو آمنة حامد الشاعر المرهف غنى له صلاح بن البادية، وآخرون كثر، حيث كانت وما زالت بورتسودان تختضن الصالونات الأدبية مثل صالون إدريس الأمير، وصالون الأستاذة نفيسة الشرقاوي. رسالة أخيرة.. - رسالتي الأولى للحكومة لابد من تخصيص اعتمادات مالية إضافية فوق ميزانية الولايات، لتنفيذ المشاريع الخدمية.. رسالة ثانية للمانحين لابد من التعجيل والإيفاء بالالتزامات المالية التي قطعتموها على أنفسكم. - رسالتي الأخيرة لوسائل الإعلام المختلفة للمزيد من التركيز على مختلف القضايا التي تهم الشرق، وللتعرف على الاشكاليات وتحديد الإيجابيات في ظل جهود جبارة تبذل من كافة الجهات. كما لابد من اشراك قيادات الشرق في مراكز صنع القرار، ويكون تمثيلهم فعلياً، وألاَّ يكونوا «تمومة جرتق».