بدأت ظاهرة مثيرة للقلق، وفيها خروج واضح عن المألوف وعن القواعد التربوية والدينية والأخلاقية، تطفو على السطح داخل مجتمعنا السوداني، وهي الإعتداء من قبل الأبناء على آبائهم وارتكابهم لجرائم مختلفة في حقهم ابتداءً من سوء المعاملة إلى الإعتداء الجسدي بالضرب، والذي تطور إلى القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد، وبحسب متابعاتنا أن العديد من الجرائم التي وقعت مؤخراً كان الضحية فيها آباء وأمهات، مما يثير حالة من الصدمة الكبيرة حول هذا الواقع، الذي أستدعى التحري حوله والأسباب التي تدفع الأبناء لارتكاب مثل هذه الجرائم الشنيعة والخطيرة جداً في حق والديهم من النواحي النفسية والاجتماعية، وما يترتب على هذه الجرائم من آثار دينية وقانونية وغيرها..؟!. وكشفت إحصائية صادرة مؤخراً عن ارتفاع نسبة الإعتداء الشديد من قبل الأبناء على آبائهم بالعالم، إذ بلغت 1.5 مليون جريمة اعتداء في العام، وعلى سبيل المثال وليس الحصر سدد شاب في مقتبل العمر (4) طعنات بالسكين لوالده في صدره واسقطه قتيلاً، عندما كان نائماً داخل منزله بالريف الشمالي لمحلية أم درمان العام الماضي، وذكر الابن القاتل- وهو طالب جامعي- في أقواله للشرطة بعد اعترافه بارتكاب الجريمة، أنه تعرض للاستفزاز الشديد من قبل والده في موقف مخل شاهده فيه قبل عام ونصف العام. وفي منتصف الشهر الماضي تلقى رجل في السبعين من عمره طعنات قاتلة ب (السكين) من قبل ابنه إبان نقاش حاد نشب بين الطرفين داخل منزلهما بمحلية جبرة الشيخ بولاية شمال كردفان،، وفي حادثة ثالثة كانت ضحيتها الأم والبالغة من العمر (45) عاماً، أقدم ابنها على طعنها بمدية على يدها وفخدها، وضربها بماسورة حديد على رأسها، مسبباً لها الجراح العمد، بسبب أنها تحدثت معه حول ضرورة أقلاعه عن احتساء الخمر،، وتتعدد الوقائع الإجرامية في حق الوالدين وتكثر، ويؤكد كثير من المختصين والمراقبين لظاهرة اعتداء الأبناء على آبائهم بأنها لا تخرج عن كونها مشكلة تربوية، يكون فيها الأبناء بشخصية مهزوزة، مما تتولد عنه مشاكل تربوية يصعب السيطرة عليها بسبب القسوة المفرطة، أو الدلال الزائد من قبل الآباء تجاه أبنائهم. وإذا أفترضنا أن هذه الجرائم لم تسجل معدلات عالية، إلا أن محدوديتها تدق ناقوس الخطر، باعتبار أن الأم والأب هما عصب الحياة، وإذا تم ارتكاب جرائم في حقهما داخل بعض الأسر، فإن هذا يقود بالتأكيد في مقبل الأيام إلى تدهور أخلاقي مريع، وضياع بائن للقيم الأسرية والحياتية، فاعتداء الابن أو الأبنة على أحد الأبوين بالضرب أو غيره هو خروج عن المألوف وعن القواعد التربوية والأخلاقية والدينية، وضياع للقيم.. ويرجع ذلك إلى تركيبة الأسرة الخاطئة، وعدم وجود الوازع الديني، والسلوك العدواني المضاد للمجتمع والبيئة، وفي إفادة حصلت عليها (آخر لحظة) من قبل استشاري لطب النفس فضل عدم الإشارة إلى اسمه أرجع من خلالها الظاهرة إلى البعد عن القيم الإسلامية والتربية، والتربية غير الصالحة للأبناء، والقدوة السيئة، كأن يرى الابن والده يهين جده ويضرب ويحقر والدته، بالإضافة إلى الاضطرابات في شخصية الابن أو الابنة، فيعجز أحدهما عن السيطرة على انفعالاته، مؤكداً أن تعاطي المخدرات والخمور هو السبب الأساسي وراء مآسي أولياء الأمر.واعتبرت سلافة بسطاوي الباحثة الاجتماعية أن الظاهرة غريبة وليست بالمستغربة في ذات الوقت، وذلك لارتباطاتها بالظروف والأسباب والدوافع الموضوعية المؤدية اليها، باعتبار أن كل الحوادث أسبابها غير موحدة، وقطعت بأن معظم هذه الجرائم تصدر من الفئة العمرية دون العشرين عاماً، والتي لم تصل إلى مرحلة النضج الكافي، ولا تتمكن من التعامل مع المشاكل بموضوعية، ويصاحبها إحساس دائم بالخوف والتوجس من المستقبل القريب والبعيد، ورجحت سلافة وجود أسباب عديدة أخرى لإقدام الأبناء على استخدام العنف في مواجهة آبائهم، والذي يصل إلى القتل، ومنها شكل العلاقات الأسرية، وخاصة إذا كانت قائمة على العنف من قبل الوالدين، أو إذا لم يجد الابن حقه في الرعاية وتوفير احتياجاته، مما يجعله فاقداً لملكة التعامل مع الأسرة والمجتمع، وقالت محدثتنا إن المشاكل الأسرية، وتعرض الأبناء للنقد الدائم من قبل آبائهم يجعلهم يفقدون الثقة في أنفسهم، وكشفت سلافة أن مجمل الدراسات الصادرة مؤخراً في هذا الجانب تؤكد أن إصابة الأشخاص بالأمراض النفسية، والعقلية، ومرض الفصام، تجعلهم يقومون بالإعتداء على أقرب الأشخاص اليهم وإصابتهم بالأذى الجسيم من الدرجة الأولى، والمؤدي إلى الموت، وأشارت إلى أن تعاطي المخدرات يشكل ضلالات فكرية سمعية وبصرية لدى متعاطيها، يجعلهم يتجهون إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم.. بالإضافة إلى مرض الوسواس الذين يتوهمون بأن أسباباً صغيرة كبيرة وفخمة، وذكرت أن بعض الأبناء يسطير عليهم إحساس بأن والديه يفضلان شقيقه الآخر عليه، مما يجعل الأمر يكبر ويتضخم.. ونشير إلى أن ديننا الإسلامي توعد وحذر من ارتكاب عقوق الوالدين، واعتبر أنها جريمة كبيرة، وذنب عظيم يعجل الله بعقوبته في الدنيا قبل الآخرة، ومنع الله الأبناء من قولة (أف) للوالدين، ناهيك عن بقية الأقوال والأفعال، والإعتداء على الوالدين لا يخرج من كونه من العقوق لهما، والتي تعتبر من أكبر الكبائر عند الله، وتأتي بعد الشرك به مباشرة، ويعاقب القانون السوداني على جرائم القتل العمد الصادرة من قبل الأبناء تجاه آبائهم بالإعدام شنقاً، ما لم يتنازل بقية أفراد الأسرة عن القصاص.