تشهد العلاقات السودانية القطرية هذه الأيام شيء من الدفء البائن على السطح الذي تؤكده حميمية وخصوصية العلاقات بين البلدين الشقيقين، غير أنه ربما تعرض هذا الدفء مؤخراً لموجة باردة عارضة جراء التجاوز البرتوكولي الذي حدث في مطار الدوحة الدولى إبان استقبال السيد رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير، حيث كان في استقباله الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري وزير الثقافة والفنون بدولة قطر، ورغم أن المناسبة «ثقافية» وهي انطلاقة فعاليات المنتدى الرابع للأمم المتحدة لتحالف الحضارات الذي انعقد تحت شعار «الحوار الثقافي من أجل تعزيز التنمية» إلا أن هذا لايمنع إطلاقاً من الاستمساك بالعرف المراسيمي والبرتوكولي الرفيع المعمول به في استقبال الرؤساء والملوك وقادة الدول الذي تشير أبجدياته إلى أن الرئيس الضيف الذي يزور دولة ما لابد أن يستقبله في المطار رئيس الدولة المضيفة، وهذا مالم يحدث لدى استقبال السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير في مطار الدوحة الدولي. وحتى لا أصل إلى البعض بفهم مغلوط بأنني من معتنقي نظرية المؤامرة بمد اليد والقول التحرشي المعروف «المديدة حرقتني» لأن يد قطر على السودان بيضاء.. بيضاء وكأنها توضأت بماء القمر إلا أن الحق حق والجد جد ولا سبيل إلى المسامحة في مسألة الثوابت المراسمية والبرتوكولية وقد فعلها يوماً الرئيس الراحل جعفر نميري عند زيارته لإحدى الدول وأحس بخطأ برتوكولي غير مقصود طبعاً، فقبع داخل طائرته الرئاسية وأمر بعدم فتح باب الطائرة وقفل راجعاً إلى البلاد عزيزاً مكرماً. إن الذي حدث في مطار الدوحة الدولي قد يكون «نسمة شتاء عارضة» وأحسب أنه ربما كان هناك سبب قاهر أدى إلى ماحدث، وكواليس السياسة ياسادتي يحدث فيها دوماً الكثير المثير الخطر وهذا مايقودني إلى أن الظن أحياناً .. أحياناً «ليس إثماً» إلا إذا استبق الفعل سلامة النوايا ولا أظن أن لعبة السياسة يمكن أن تستوعب نظرية «حسن النوايا» غير أني ياصحابي قلبي يحدثني أن «نظرية حسن النوايا» قد توفرت لدى المسؤولين القطريين وفي مقدمتهم صاحب الفخامة سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر الشقيقة، غير أنه ولأن المناسبة دولية وهي المنتدى الرابع للأمم المتحدة لتحالف الحضارات من أجل تعزيز التنمية وقد حضرها وشارك فيها الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون وعدد من الرؤساء وممثلي الدول والحكومات لأكثر من (130) دولة، وربما يتجه أصبع الاتهام إلى أن هذا الحشد الأممي قد كان له دور غير مباشر في الشيء الذي حدث في مطار الدوحة الدولي والذي أرخى ظلاله الكئبة على مسألة تأخر رئيس الجمهورية عمر حسن البشير عن الجلسة الافتتاحية، حيث تأخر أيضاً سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امير دولة قطر عن الجلسة حيث كان مع رئيس الجمهورية المشير البشير وانشغاله بما يمكن أن اصفه بجودية «جبر الخواطر» من قبل الأمير للبشير أملاً في انقشاع هذه السحابة التي أزعم أن الحشد الأممي ربما له يد فيها خاصة بعد مشروع الغياب القادم ل« مقطوع الطاري» السيد لويس مورينو أوكامبو عن المسرح الدولي كمدعي عام للمحكمة الجنائية الدولية، حيث وافقت الدول الأعضاء في ميثاق روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية على اختيار القاضية «قاتدا يتسودوا» ذات الأصول المغربية خليفة للمدعي العام السابق أوكامبو صاحب السيرة المثيرة للجدل في أروقة المحكمة الجنائية الدولية، والتي أخال أن القاضية «مقطوعة الطاري» الجديدة تريد أن تقول للبشير «انا هنا» حتى ولو جاء هذا مستبقاً للإجراءات النهائية لتسلمها منصبها فيما كان أوكامبو وهو على مشارف مغادرته للمنصب يعمل الآن على قيادة حملة دولية لإدانة الفريق أول مهندس عبدالرحيم محمد حسين لإصدار أمر توقيف له من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليؤكد أنه نجح خلال فترة بقائه غير الميمون في المنصب في أداء مهمته كمدعٍ عام للمحكمة الجنائية إلى جانب توجيه اتهاماته البغيضة لكل من الكنغو برازفيل وكينيا. عموماً أخلص إلى أنه مهما تزاحمت الصور في المشهد السياسي إلا أن الراسخ فعلاً هو العلاقة الحميمة بين البلدين الشقيقين السودان وقطر، ويؤكد قولي هذا قيام الملتقى الاقتصادي السوداني القطري الذي انعقد قبل أيام في قاعة الصداقة بالخرطوم تحت رعاية كريمة من الأستاذ على عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية، ولعل اللافت للنظر أن سمو الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني ولي العهد القطري قد شرف هذا الملتقى الذي انعقد تحت شعار«نحو شراكة إستراتيجية»، وكان ذلك بمشاركة عدد مقدر من رجال الأعمال في البلدين، وناقش هذا الملتقى الهام فرص الاستثمار القطري في السودان إلى جانب المشروعات الإستراتيجية التي كان السودان قد وضع دراسات جدوى اقتصادية واجتماعية لها، كما ناقش الملتقى بعض المسائل المتعلقة بالاستثمار في مجال الزراعة وهو الأهم بالطبع إلى جانب الاستثمار في مجال الثروة الحيوانية والتعدين خاصة بعد أن تسلم حقيبتها الوزير البلدوزر الكاسح الأستاذ كمال عبداللطيف والذي أتوقع أنه سوف يحدث ثورة هائلة في مجال التنقيب والتصنيع والتصدير للمعادن السودانية وخاصة معدن الذهب الذي قال عنه الوزير الأسبق الدكتور عبدالباقي الجيلاني إنه سوف يعوض به الفاقد النفطي. ولعل حكومة الجمهورية الثانية قد وضعت كل «حمولها» وآمالها العراض على عاتق الأستاذ كمال عبداللطيف رجل المهام الصعبة و «جوكر» التحديات المستحيلة، وفي نفس الوقت فإنه لن تغفل الحكومة عن اهتمامها بالنفط بعد صحوتها من كابوس انقطاع عائدات النفط بعد أن آلت ملكيته لحكومة جمهورية جنوب السودان، ولعل الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية ومقرر المجلس الأعلى للاستثمار، وهو البلدوزر الثاني في البلاد ولكن بماكينة أضخم ربما تكون قوتها «ألف .. ألف حصان» وهذا ليس بعيداً أو غريباً على قدرات مصطفى عثمان الذي كان قد تنبأ له أستاذه أحمد عبدالعال حسن بمدرسة القولد الوسطى بأن مصطفى سيكون أخطر وأعظم وزير خارجية يمر على السودان، وصدقت نبوءة الأستاذ، ولكن فشلت الإنقاذ في أن تبقيه في منصبه كوزير للخارجية، و د. مصطفي قلّ أن يجود بمثله الزمان على السودان، وقد قال دكتور مصطفى خلال مخاطبته لفعاليات الملتقى إن عملية الاستثمار مثلث ذو ثلاثة أضلاع تشمل المستثمر - المواطن والحكومة، وأشار إلى أن الاستثمار الناجح هو الذي يحقق الربح لمكونات المثلث الثلاثة، وذكر أن عدداً من المصارف والبنوك القطرية وفي مقدمتها بنك قطر الوطني الذي كان قد افتتح خمسة فروع له في السودان، سوف تمكن هذه الفروع المستثمرين القطرين من توفير التمويل اللازم لاستثماراتهم. بقى القول: إن العلاقات السودانية القطرية سوف تبقى ويكتب لها الخلود إلى أن يرث الله الأرض.