الحرب كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله! وهكذا تأتي الحرب على من سعّر نارها في خاتمة المطاف!.. وقديماً قيل: بشِّر القاتل بالقتل ولو بعد حين!.. وربما طال الحين ولكنه سيحين ولو بعد حين! وهذا درس نافع للقادة السياسيين الذي يستسهلون إشعال الحروب وهم يظنون أن الحرب ما هي إلا مواصلة للعمل السياسي بوسائل غير سياسية كما قال منظِّر الحرب الألماني المأفون! وحسن الترابي الذي تعلم الألمانية بولع.. وتلقى التراث الألماني بشغف.. ودرس التاريخ السياسي الألماني بدقة.. لا ريب أنه استهوته هذه الفكرة الجاهلية التي تدعو إلى تحقيق المآرب السياسية عن طريق إشعال الحروب حينما يستعصى تحقيقها عن طريق العمل السياسي الدبلوماسي التساومي الوئيد. وهكذا فعندما اتسعت عليه وعلى قيادات حزبه المارق.. الشقة وتعذر عليهم قبول الهزيمة.. أرادوا أن يقلبوا المائدة السياسية كلها وأن يكدروا صفو الجو السياسي الوطني.. ويدمروا النسيج الاجتماعي السوداني.. ويحطموا الاقتصاد السوداني.. ويكسروا الجيش السوداني بحروب شاملة اختاروا أن يقدحوا شررها الأول من دار فور. وكان خليل إبراهيم هو الفارس الذي أسرجوا له مطايا النزال الجاهلي العصبي العنصري.. فهرّبوه إلى خارج البلاد.. وأمَّرُوه على سرايا الهجوم على الجيش السوداني بعد أن أمَّرُوه قبل ذلك على سرايا الدفاع الشعبي التي أوكل إليها مساندة الجيش السوداني إبان نزاله مع كتائب المتمردين الجنوبيين. وهي المهمة التي أصبحوا يتسترون عليها اليوم في ظل انقلابهم على مبادئهم الإسلامية وارتباطهم وتحالفهم مع أعداء الأمس من المتمردين الجنوبيين. واستثمر حزب المؤتمر الشعبي أموال الحركة الإسلامية التي كانت بعهدته وأجهزة استخباراتها وكوادرها الدبلوماسية لعقد اتصالات شتى من أجل تأسيس عصابة العدل والمساواة ووصلها بجميع الجهات المعادية للإسلام والسودان. واتصلوا بكل جهاز إعلامي مشبوه من الأجهزة التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية للترويج لنزاع دار فور وتصويره على أنه حرب إبادة يقوم بها العرب ضد السود! وأدار المؤتمر الشعبي بكوادره حركة العدل والمساواة من وراء ستار ولم تعوزه المرونة(ولا الطبع الانتهازي)! فأوكل إلى المدعو خليل إبراهيم أن يتصرف في إدارة الحركة كما يشاء، وأن يجعلها كما شاء حركة عشائرية أسرية قبلية تحمل الكثير من سمات التخلف في الثقافة السياسية السودانية التي كان الدكتور الترابي قد نذر عمره منذ شبابه الباكر لكي يناهضها ويقدم بديلاً إسلامياً تقدمياً يقوم مقامها. ولكنه آب في آخر عمره إلى ما هو أسوأ منها، ولم يكن له من مسوغ ولا مبرر إلا أن هذا الفعل الشنيع، رغم شناعته البادية كفيل بأن يؤسس وينمي عصبة ذات بأس ومراس تحطم له دولة الإنقاذ التي شادها وتسللت من بين يديه. وما كان الترابي يحذر وهو في انفعال الغضب، أن يذهب خليل بالسلطة إن حازها وألا يجعله إماماً وزعيماً فيها. وكأن العبرة السابقة ما كفته ولكن ما أكثر العبر كما قيل، وما أندر الاعتبار! وغريب جداً أن يعتمد مفكر متدبر مثل حسن الترابي على شخص غر متشنج طائش مثل خليل إبراهيم، آملاً أن يحقق له ما عجز عن تحقيقه هو بالعمل السياسي السلمي الحكيم الذي مهر فيه وبذَّ به الجميع، ولكنها آفة العقل السياسي حينما يسيطر عليه الهوى ويستبد به الغي. ولم يكن حسن الترابي بارتكابه هذا المسلك اللا أخلاقي العنيف، يغرب عن أمثلة حكام عرب انهاروا أخيراً وشهد العالم كم حاول كل منهم عن طريق آلة الحرب والعنف أن يفني أعداءه ويمد أجله في الحكم. وهكذا فكما اعتمد مبارك على البلطجية، واعتمد القذافي على الكتائب، واعتمد الأسد على الشبيحة، فقد اعتمد الترابي على عصابات حركة العدل والمساواة التي قادها خليل إبراهيم. ولكن ضاقت عليهما بحمد الله تعالى السبل، فلم يجدا نصيراً إلا في الحاقدين الموتورين من أمثالهما في جنوب السودان. ولهذا أنفذ حسن الترابي جهده كله لوصل خليل إبراهيم بقوى العداء التاريخي للإسلام والعروبة والسودان في الجنوب. وكان قدراً مقدوراً، وكانت عبرة من عبر التاريخ البالغة أن يهلك خليل وهو يسلك طريقاً إلى الجنوب، وهو الطريق الذي طالما خضبه بدم الكردفانيين الشرفاء الذين أبوا أن يضيِّفوه بعد أن ذاقوا بأسه وبلوا بطشه، فكتب الله تعالى له أن يلفظ بين أيديهم آخر الأنفاس. وكان مهلكه مهلكاً لحركته الإجرامية التي بنيت على نفوذه الشخصي(الكاريزمي) الذي لم ينازع إلا قليلاً، والذي قل أن تجد الحركة عوضاً عنه، وإن ظن الناطق باسم حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر الأمين، أن ذلك سيكون، بل تمادى في أحلام يقظته فظن أن قتل خليل سيبعث في أوصال الحركة الممزقة أشلاء.