ربما لأن الله أنعم علينا بالأمن والحرية.. بالكاد نذكر اولئك المرضى أو الذين جارت بهم الأيام والظروف وسلبتهم الحرية والابتسامة خلف قضبان الزمن الخؤون.. نساء وشابات من رحم هذه الأمة من بيوتها وحواريها ، من قبائلها واعراقها.. أمهات وزوجات وفتيات في عمر الزهور.. تكالبت عليهم الظروف.. وجارت الأيام ، ولعبت برؤوسهن الأهواء وفتن الدهر وزينة الدنيا.. فخرجن عن القانون.. ودخلن خلف الأسوار العالية..! فهل نتركهن بلا معين.. أو رأفة.. أو لمسة حنان..! هل نقسو نحن والأيام عليهن.. نحاكمهن مرتين؟!! المرأة كائن ضعيف.. يستمد قوته من واقع الحال.. والظروف.. وما من إمرأة ملكت القدرة والجرأة لارتكاب جريمة الا وكانت وراءها حكاية واسباب ، لأن فطرتها الأنثوية وغريزة الأمومة وجبلتها العاطفية لا تتناسب و «العقلية الإجرامية» التي تخطط مسبقاً للجرائم .. وقد وافقتني في هذا القول مدير سجن النساء «المقدم/ عفراء حمزة مصطفى» تلك الشابة الذكية الانسانة الناضجة التي تتفهم دورها الكبير تماماً.. المثقفة الواعية بدور السجن في ترقية ورفع الوعي الديني والثقافي والاجتماعي والقانوني للنزيلات باعتباره من اسباب تحقيق أهداف الاصلاح والتوبة.. فتحول الاسم إلى «دار التائبات».. وتغير مفهوم التعامل وبرزت اجتهادات كبيرة من داخل إدارة السجن لفك الغارمات - ومساعدة المحتاجات - وتأهيل العاطلات عن العمل.. حتى يستطعن الخروج إلى مجتمع «يعيش فيه المؤهل علمياً وفنياً بصعوبة» ناهيك عن عديم الخبرة أو التعليم..!! زيارة طويلة في هذا الشتاء القارس إلى دار التائبات لا زالت ذكراها تنقص عليَّ حياتي.. وجوه جميلة شابة.. ومتوسطة الأعمار.. ولا أعرف سبباً واحداً لبقاء سجينات من دولة الجنوب ، وأغلب جرائمهن بيع الخمور التي تعتبر في عرف وقانون بلدهم مسموح ، فلما لا يرحلن إلى بلدهم.. والفائدة التي ستعود من ذلك افراغ الدار من رعايا دولة أخرى لجرائم قد تكون ارتكبت قبل الانفصال.. وتخفيف عبء الصرف! وضمان تجفيف منابع بيع الخمور برجوعهن !.. أليس الناتج عن هذه المعادلة يرجح كفة أطلاق السراح المشروط بالعودة..! تدعم السجن بعض المنظمات.. ووزارة الداخلية.. وبعض الجهات الخيرية الأخرى..! السجن عقوبة نفسية قاسية على السجين في الداخل وأسرته في الخارج ، ولما كانت المرأة عماد الأسرة والركيزة الثانية الهامة في المجتمع.. وجب على الجميع دعمها ومساندتها خصوصاً في حالات ضعفها.. ولا ضعف أكبر ولا أعظم.. من الاتهام والمحاكمة.. والسجن..! وطالما اننا كلنا بشر نخطيء ونصيب.. نعدل ونظلم.. نترفع ونصغر.. ولا نضمن الظروف ولا الأيام.. فقد نكون في يوم ما في حاجة لمن يمد لنا يد المساعدة..!