ü بدا واضحاً لكل المتابعين والمعنيين بالشأن السوري، أن الأزمة السورية، أو على الأدق ثورة الربيع السوري المطالبة بالتغيير، قد ولجت الآن بقوة وعبر قرار الجامعة العربية الأخير، إلى ردهات مجلس الأمن الدولي، الذي حدت من فعله وإرادته حتى الآن مواقف روسيا والصين المعترضتين بحق النقض «الفيتو» على وضع حد للأزمة ممالأة لنظام قرر مواجهة مطالب شعبه للتغيير بالحديد والنار دونما رحمة أو شفقة. ü توجه إلى نيويورك بالأمس كل من أمين جامعة الدول العربية نبيل العربي، ورئيس وزراء قطر حمد بن جاسم رئيس اللجنة العربية المكلفة بمتابعة الشأن السوري، ليعرضا ابتداءً من اليوم (الأحد)، على مجلس الأمن خطة السلام العربية التي اعتمدها وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير، والقاضية في أهم بنودها بتنازل الرئيس بشار الأسد عن صلاحياته لنائبه وتشكيل حكومة وحدة وطنية تفتح الباب لمصالحة وطنية شاملة وحل سلمي للأزمة المستعصية، التي اسميناها في «إضاءات» سابقة ب«الحوسة» التي تعني الاستعصاء والفتنة التي لا تبقي ولا تذر. ü بشار الأسد ونظامه رفض على لسان وزير خارجيته وليد المعلم، الخطة العربية مقدماً، وعدُّوها تدخلاً في الشؤون الداخلية لسوريا، وتنفيذاً لأجندة غربية، وكالعادة حركوا أنصارهم في مظاهرات حاشدة تندد بالخطة والقائمين عليها، وهددوا وتوعدوا بأن تمتد «الحرب الأهلية» التي اعتبروا الخطة مقدمة لها لتحرق المنطقة بأسرها، معتبرين تلك ميزة لسوريا يمكن المراهنة عليها، خصوصاً في ضوء الانقسام الدولي المشهود بفعل الموقف الروسي والصيني الممالئين لنظام الأسد الحليف، الذي يرتبطان به عبر مصالح كبرى إستراتيجية وتسلحية وتجارية ونفطية، مثلما يمكن المراهنة على الموقف الإيراني الداعم الأكبر لنظام الأسد والقوى الطائفية والإسلامية المتشددة في المنطقة وفي مقدمتها «حزب الله» اللبناني، وبؤر التوتر الطائفي في الجزيرة العربية والبحرين. ü المصادر الأممية تقدر أن عدد القتلى السوريين قد تجاوز خلال شهور الثورة خمسة آلاف، بينما تقول السلطات السورية أن عدد القتلى بين صفوف قوات الأمن والجيش بلغ ألفي قتيل، ومصادر الثوار وتنسيقياتها توضح أن جُلَّ هؤلاء الأخيرين قد قضوا برصاص زملائهم بعد أن رفضوا إطلاق النار على المدنيين أو برصاص العسكريين المنشقين عن الجيش الذين دخلوا في مواجهات مع قوات النظام لحماية الشعب وثورته السلمية. ü السفير عدنان الخُضير رئيس غرفة المراقبين العرب بالجامعة العربية، أوضح أن بن جاسم والعربي سيعرضان على مجلس الأمن تفاصيل الخطة العربية، والتي لاقت إجماعاً في اجتماع مجلس الجامعة الأخير، ما عدا «التحفظ» الجزائري الذي لم يرقَ لمستوى الرفض أو الاعتراض، وأوضح الخضير أن الجامعة العربية لا تطلب «تدخلاً عسكرياً» من جانب المجتمع الدولي في الأزمة السورية، بل تقدم حلاً سياسياً، وعبر عن أمله في حدوث توافق حول القرار العربي في مجلس الأمن. ü المبعوث الصيني وو سي كه، أكد يوم الخميس خلال زيارته للقاهرة ولقائه نبيل العربي، أن بكين تأمل في أن يحل الشعب السوري هذه القضية عن طريق الحوار والطرق السلمية تحسباً للعنف والحرب الأهلية، وقال إن الصين تهتم بالأزمة السورية وتدعم جهود الجامعة العربية، ولكنه أضاف ما يمكن اعتباره مقدمة لموقف رافض لتدويل القضية، إذ قال: «إن جامعة الدول العربية إطار جيد ومناسب لحل المشكلات»، وعبّر في الوقت ذاته عن اأسفه للاعتداءات التي تعرضت لها بعثة المراقبين التابعة للجامعة في سوريا يوم الثلاثاء الماضي، تلك الاعتداءات التي نسبتها الجامعة لعناصر موالية للحكومة السورية في اللاذقية ودير الزور، وعناصر محسوبة على المعارضة في مناطق أخرى، لكن مع ذلك حَّمل العربي الحكومة السورية مسؤولية حماية المراقبين. ü الجامعة العربية بتحويلها الملف السوري، بعد أن فشلت في إقناع بشار ونظامه بتلبية خطتها الابتدائية والأصلية القاضية بوقف العنف وسحب المظاهر المسلحة من الشوارع والمدن، وإطلاق سراح المعتقلين وتهيئة الأجواء لحوار سلمي ومصالحة وطنية، وبعد أن شكلت لجنة مراقبين لم يصادف عملها أي حظ من النجاح وانسحبت السعودية ودول الخليج من المشاركة في مكوناتها رغم استعدادها لتقديم الدعم المالي للبعثة، بعد كل هذا وبتحويلها الملف السوري تضع الجامعة القضية السورية صراحة على طاولة التدويل، فمجلس الأمن يتمتع بصلاحيات تفوق كل ما لدى أية منظمة إقليمية من صلاحيات أو نفوذ، «فالاتحاد من اجل السلام» وما يترتب عليه من قرارات عقابية وتأديبية تحت البند السابع، تعطي المجلس حق تجاوز ما اقترحته الجامعة العربية من عدم التدخل العسكري في الشأن السوري، لكن ما يقعد بمجلس الأمن والمجتمع الدولي من وضع حل ناجز للأزمة، هما الموقفان الروسي والصيني. ü ومع ذلك فإن روسيا والصين تجدان نفسيهما في موقف حرج بعد أن وضعتهما الجامعة العربية أمام مسؤولياتها بتحويلها الملف للاعتماد والموافقة الدولية، وقد تلجأ كل من موسكووبكين للمراوغة أمام هذا الحرج عبر صياغات تحاول إفراغ خطة الجامعة من محتواها المتمثل في تنازل بشار عن صلاحياته على غرار ما فعل علي صالح في اليمن، إذا تنازل عن صلاحياته ومسؤولياته لنائبه وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية لقاء تمتعه بالحصانة من الملاحقة القضائية. ü الصورة غائمة والموقف أكثر تعقيداً في الشام مما هو عليه في اليمن، وبالتالي فنحن في انتظار معركة حامية في أروقة مجلس الأمن طرفاها الولاياتالمتحدة والدول الغربية وتركيا والجامعة العربية والثورة السورية من جهة، وروسيا والصين وإيران وسوريا- الأسد- من جهة أخرى، ومن الصعب التنبؤ مسبقاً بنتائج تلك المعركة، لكن الأكيد هو أن «الحوسة» السورية مستمرة تتفاقم مع مرور الأيام.. وليكن الله في عون الشعب السوري. تصحيح .. ورد في مقال «اضاءات» الأمس خطأ طباعي حيث جاءت كلمة « ما يجعل أي «مقارنة» سياسية من جانب المعارضة للتصدي لقضايا الوطن الكبرى والتحديات العظام التي تهدد ما تبقى من الكيان الوطني مجرد نجوى بين أناس يخشون على مصير بلادهم ولا يملكون ما يفعلونه لخلاصه» و الصحيح هو اي مقاربة سياسية من جانب المعارضة.