وأجد صعوبة بالغة.. بل أنا في لجة طلاسم شاعر المهجر البديع إيليا أبو ماضي أعاني في رهق ما عاناه هذا الشاعر أنيق العبارة.. جزل المفردة.. ثري الكلمة وهو يصوغ الطلاسم.. صدقوني أني قد تصببت عرقاً وأنا أحاول إيجاد الكلمة الصحيحة التي تعبر عن روحي هذه الأيام.. بل هذه الساعة الراهنة.. هو امتحان دونه ورقة امتحان تقرر أملي ومستقبلي وبقية حياتي. تلفني الحيرة وتدهشني الدهشة وأنا أفاضل بين ثلاث كلمات.. أوصف فيها ما أنوي كتابته.. أنظر إلى الأحبة الوزراء والدستوريين والولاة والمعتمدين في حكومة الإنقاذ ثم ارتد بنظري متأملاً شخصي.. أو وفي دقة أحمل كاميرا شديدة النقاء تتجول داخل دماغي وتماماً كما كاميرا المبدع مخرج الروائع الفرنسي «كلود ليلوش».. ذاك الذي يصور الإنسان من الدواخل حيث تنبهل صوراً بديعة متألقة ومرة.. بل مرات تتدفق صوراً بشعة مفزعة وقبيحة وكأنها مرسومة بمداد من صديد.. ثم يأتي السؤال أيهما أكثر سعادة و«راحة بال» رغم الرهق والعنت وخوض الأهوال مثلي مثل مواطني أو أبناء شعبي.. نحن أم هؤلاء الوزراء والمسؤولون والولاة والدستوريون. ونبدأ الحكاية من أولها.. نعود إلى أيام الطفولة.. طفولة أي طفل سوداني وفي أولى خطواته في حياض ودور التعليم.. وتحديداً في مرحلة الأساس حالياً.. الابتدائية سابقاً.. كان السؤال الأبدي.. بل السرمدي عندما يسألك أحدهم «داير تطلع شنو يا شاطر لما تكبر».. كانت الإجابة.. بل الإجابات لا تخرج عن «داير أطلع دكتور».. أو «عايز أطلع مهندس».. كذا تنطلق الإجابات من كل تلميذ وعلى امتداد القطر وكأنها إجابة صممها أحدهم ولقنها كل طفل يمشي على ثرى الوطن من نخلات حلفا.. وللغابات وراء تركاكا.. كأنها الإجابة على امتحان مكشوف متاح لكل تلميذ.. والآن تتراجع تراجعاً مخيفاً تلك الرغبات والأمنيات.. وقفزت أمنيات أخرى في سماء الوطن.. تقدمت «الصيدلة» وأضاءت سماء الوطن نجوم «فالصو» باتوا هم النجوم العاتمة في بهرجة الأضواء السابحة في بحور وأنهر المال.. هم الفنانون الشباب الذين احتلوا خشبات أو «ترابيز» المسارح المؤجرة من أماكن الأفراح.. ليمطروا الجماهير بهابط الغناء.. وبعد الحفلة «تهبط» عليهم الملايين.. وتتابعهم عيون غبية.. عيون أولاد وبنات.. وفي الخاطر والعقل وتجاويف الصدور تفور وتمور وتكاد تتدفق المشاعر.. مشاعر الغبطة أو الحسد أو الأمنيات بأن تهل عليهم ليلة القدر ليصبحوا أو يصبحن نجوماً مثل هؤلاء. المهم أن هذه الأمنيات لم تشمل يوماً واحداً أمنية أن تصبح وزيراً أو رئيساً أو والياً أو نافذاً فقط.. لأن مثل هذه الأماني كانت معلقة فوق قمة «ايفرست» أو على أعلى حجر في هضبة «التبت».. كان ذلك إلى عهد قريب حتى هبت أعاصير الإنقاذ وانبهلت شنطة «الاستوزار».. بل تدفقت وتراصت الحقائب الوزارية.. صارت مثل وابل المطر يهطل أحياناً والخريف يكاد يكون عند أيام وداعه الحزين.. أو هي مثل ذاك الطويل الذي يغرق مثلاً «ود نوباوي» عندما تكون «الثورات» وأمبدات تعيش جفافاً وأتربة وغباراً.. ولا نقطة مطر واحدة من السماء أو حتى من «ماسورة» في قلب المنزل.. يعني يمكن أن تفاجئك الصحف أو الإذاعة.. بل تكاد «تخلعك» وأنت تقود حافلة ركاب وفي خطك تماماً.. بأنك قد عينت وزيراً أو وزير دولة أو معتمداً.. أرزاق هي من الوهاب الكريم الذي لا يسأل عما يفعل. والآن إلى موضوعنا الأصلي.. إلى سؤالنا العصي على الإجابة أو السهل الإجابة.. وهو أيُّنا أسعد حالاً.. نحن المواطنين الفقراء الحرافيش الغبش الذين نعيش ونحيا على «الطعمية والفول» و«العدس».. أم أحبتنا الوزراء والمسؤولون في عهد الإنقاذ التي «ورتنا جديد ما كان في البال». الإجابة ليست سهلة كما يبدو لكم أحبتي.. الإجابة يمكن أن تتلون بالدهشة أو تكتسي حلل «الحسادة».. وأحياناً ترفل في ثياب الغبطة.. ومرات كثيرة هي قطعاً وحقاً وصدقاً هي «الشماتة».. أنا شخصياً قد اخترت الإجابة النموذجية والتي لن أقبل فيها بأقل من «تسعة من عشرة».. لقد اخترت الشماتة.. وغداً أفصِّل لأعضاء لجنة الامتحان والأحبة المراقبين وأعضاء «الكنترول») أسباب فرحي وسعدي وحبوري. بكرة نتلاقى..