خرجنا من حيث إقامة الشاعر الهرم هاشم صديق بحي جبرا بالخرطوم، أنا والصديق الشاعر مصطفى ود المأمور، ولساننا يلهج بالشكر لله تعالى على اسباغه نعمة العافية على هاشم العائد من فرنسا بعد اجراء عملية، تابعها السودانيون من خلال الصحف والإذاعات المرئية والمسموعة والهاتف والاتصال المباشر. هرولت إلى زوجتي الفنانة الممثلة منى الطاهر لاطمئنها على صحة صديق العمر هاشم، بعد أن فشلت في مهاتفتها ونحن جلوس معه. أفلحت في الاتصال بهاشم عند وصولي إلى منزلنا، وأعطيت الهاتف لزوجتي لتطمئن عليه وتسعد بشفائه. فرحت زوجتي بالمحادثة وبشفاء هاشم، وكانت المفاجأة وجود الفنان المسرحي الكبير مكي سنادة مع هاشم صديق. فهذا ثنائي قدم الكثير للسودان وللسودانيين، وشاء الله أن يرتبطا ببعضهما البعض في كل ما هو جميل ورائع. هاشم صديق الذي إنْ لم يكتب طوال حياته سوى الملحمة التي رسخت ثورة أكتوبر في وجدان الشعب السوداني لكانت كافية لتخليده شاعراً ظلَّ وإلى الآن يرتبط اسمه باكتوبر، وإن لم يكتب غير «قطر الهم»، ذلك المسلسل الإذاعي الشهير لخلدته كاتباً إذاعياً وصل بالدراما الإذاعية إلى الناس، وإن لم يكتب غير «نبتة حبيبتي» التي هزت الأرض تحت أقدام الطغيان لخلدته كاتباً مسرحياً، فعل ما لم تفعله الأحزاب مجتمعة في زمان اشتهر بتكميم الأفواه، وإن لم يكتب غير أغنية «النهاية»، التي صاغ لها لحناً خالداً وغناها الراحل سيد خليفة، لكانت كافية لتخليده شاعراً غنائياً جمع حوله الشيب والشباب عبر كل الأجيال. شاء الله أن يرتبط هذا الشاعر الكبير في كل ماتقدم بالفنان الكبير مكي سنادة، فيما عدا مسلسل «قطر الهم»، الذي ارتبط فيه اسم هاشم صديق بالراحل حسن عبد المجيد، وإلى الآن يدوي صوت الممثل الراحل حسن عبد المجيد في آذان المستمعين، وهو يقول مع آهة وزفرة حارقة: آه.. حفظنا السكة.. محطة محطة (ثم يعدِّد أسماء المحطات بشجن آسر وبأداء يحيل الأذن عيناً)، وإلى الآن يظل صوت الفنان أبو عركي يردد: قطر ماشي، وعمي الزين وكيل سنطور الخ.. الخ. لقد ارتبط الفنان مكي سنادة مع هاشم صديق في معظم أعماله العظيمة شاعراً وممثلاً ومؤلفاً مسرحياً، فقد تقاسما معاً بطولة مسرحية «المنضرة» من اخراج مكي سنادة وتأليف الرائع حمدنا الله عبد القادر، وتقاسما معاً بطولة العديد من التمثيليات التلفزيونية منذ نهايات الستينيات، ومكي سنادة هو الذي أخرج على خشبة المسرح القومي نهايات الستينيات «1968 تحديداً» الملحمة لهاشم صديق شاعراً، والفنان محمد الأمين ملحناً، ومن توزيع الموسيقار موسى محمد إبراهيم، ومكي سنادة هو الذي أخرج مسرحية «نبتة حبيبتي» التي غيرت مسار المسرح في السودان، ومكي سنادة هو البطل الحقيقي لأغنية «النهاية» التي صاغ كلماتها الشاعر هاشم صديق عن قصة حقيقية عاشها مكي سنادة وتعايش معها هاشم صديق من خلال علاقتهما القوية وصداقتهما الممتدة، وفوق هذا وذاك فمكي سنادة هو الذي كانت له الريادة في بطولة مسلسلات الإذاعة منذ الستينيات، عبر صوته الآسر وادائه المؤثر، ومكي سنادة هو الذي جمع بين الأستاذية بمعناها التربوي بتخرجه في معهد المعلمين العالي أستاذاً للمدارس الثانوية وبين الأستاذية بمعناها الفني، ومكي سنادة هو من قدم النموذج والأنموذج المثالي للممثل السوداني الموهوب والدارس، وهو من الذين أرسوا قواعد مهنة التمثيل في السودان، وإن لم يمثل طوال حياته غير شخصية خليل في مسرحية «خطوبة سهير» لكانت كافية لتخليده ممثلاً عالمياً. وهاشم صديق إضافة إلى كل ما تقدم هو الذي ساهم في تأسيس مناهج حديثة لمادة التمثيل العملي في معهد الموسيقى والمسرح، بعد عودته من الدراسة في لندن، ويكفي أن نعلم أن «محطة التلفزيون الأهلية» كانت ثمرة لمادة من المواد التي كان يدرسها هاشم صديق لطلاب المعهد، حيث التقطها الراحل العميري وساهم في بلورتها مع أعضاء فرقة الأصدقاء الذين كانوا طلاباً في المعهد حينها، وفوق كل هذا وذاك فهاشم صديق له الفضل في جميع مادة المسرح السوداني بصورة علمية موثقة. هذا الثنائي عزيزي القاريء هو الآن بالمعاش (قققنق- مؤثر صوتي). هل من مصدق؟! وهل يعقل أن تفشل دولة تحترم ماضيها وحاضرها في الاستفادة من خبرات وامكانيات مواطنيها!!!؟ هذه رسالة إلى كلِ من يهمهم الأمر.