كلنا يريد إمرأة خارقة كما نساء البدو.. حُرة كما نساء الزنج.. طيعة كما شدا النور عثمان أبكر في غنائه الجميل للعشب والزهرة. والنور عثمان أبكر هذا.. كان طويلاً جميلاً.. كأنه سقط للتو من أحجية جده من الزمن الجميل.. كان بعض الأشخاص مؤسسات.. فتحوا قلوبهم.. ومكاتبهم.. وبيوتهم صالات للأصدقاء.. وكنت ضمن أولئك السعداء، وجلستُ معه في صالة بيته وربما في قلبه.. لا أدري أكان يحبني أم من طبع شخصيته أنه يوحي للجميع بأنه يحبهم. والنور معلم .. حقيقة إن الثورة التي أحدثها بديوانه الأول مهدت الطريق للشعر الحر حتى ينساب.. وسمت به في خضم إمساك المدرسة «النزارية» بتلابيب الشعراء ومثلما بدأ يلمع محمود درويش محمولاً على اكتاف إعلام يمجد المقاومة وكل ما يأتي من قبلها واستقر عبد المعطي حجازي وصلاح عبدالصبور.. وكان برعم أمل دنقل يتفتح.. كنا نتساءل ماذا لدينا من الشعر الموازى ومن الشعراء.. وكان النور من الذين راهنا عليهم. رمز النور واضح لا أريد افساده بالتفسير لكني أزعم أنه رمز للقضية بإمراة حرة كنساء البدو.. طيعة كنساء الزنج.. هذه المرأة الحرة الطيعة هي القضية.. إنها «الأزمة».. هي امة «ود مكي» فقد فرض أسلوبه المنافح الثوري.. فعلا صوت شعره على جناحي المهارة واليسار.. كان يبدو بعيداً أن يلمع شاعر.. يختار الفلسفة والصراخ الهامس ومنه: «يانجي القلب هبني امرأة .. ميعة أغرس أوهامي بها.. أغرس أوهامي لها.. أغرس القدرة والفعل لأيامي لها «هل ثمة وجه شبه بين هذا ومصطفى سعيد فى موسم الهجرة. لكن هذه الأزمة.. ستعيش «ربيع الجمر» هكذا تنبأ النور وهكذا كان: «آه حبيبي.. العشب فى الطريق ينمو.. العشب فى محاجر الأطفال ينمو.. العشب لي وللشياه والحضارة.. هذا ربيع الجمر يا حبيبتي». رضعت ذات «النور» من ثدي القرى.. القرى حاملة الحقل إلى سور المدينة. النور عثمان أبكر هل هو: مزارع أجير.. يغني العشب والمياه.. يغني الضوء والشجن.. يغني زهرة الحياة.. يموت.. تقوم جنازة مشاعل الطريق!! حكاية «النور» حكاية.. «كان فى الصحراء راهب نحيل الاذن مرهف البصر..يصوم الدهر.. يرتجي براءة من عاهل القدر أقام هكذا للنسك والصلاة.. ثم عاد للبشر يقال: «زحزحته من عُلُو حُلمه صبية أتت إليه فى الروئ بلا خُطى.. أهدته قبلة وموعدا». رحم الله النور عثمان أبكر.. ألا يستحق تكريماً لذكراه..؟ وقراءة جديدة له؟ وذلك بإعادة طباعة دواوينه ومقالاته ! اعتقد أنه يستحق.. لتتعرف الأجيال الجديده على شاعر كان من الصادقين .