وبينما بعض أبنائى يستذكرون دروسهم سألتهم أما زال الطلاب وبعض الأساتذه يشتغلون «بالاسبوتنق»- أى تخمين الأسئلة التى سترد- وهو ظاهرة في ظني غير جيدة لأنها تتضمن نوعاً من المغامره.. فلم يعرفوا معنى «الاسبوتنق» فقلت ربما هي ظاهرة اندثرت.. ولي حكايات مع الاسبونتق.. في مرحلة الثانوي كنا نسمع بأن الأستاذ الشاعر محي الدين فارس من الأساتذة الذين ينجح «الاسبوتنق» بتاعم دائماً.. وعندما كبرنا وصادقت الرجل سألته، عن كيف يتوقع الأسئلة وكيف تجئ.. قال كل الحكاية إنني أغطي المنهج كله بالأسئلة.. ثم إنني أعرف كيف يفكر زملائي الذين يضعون الأسئلة وأعرف طريقتهم.. -لدي حكاية لطيفة إبان دراستنا في جامعة القاهرةبالخرطوم، معجب بها البروفيسر عثمان جمال الدين.. وهي إننا كنا في السنة الأولى، وكانت هنالك حيلة يعمد اليها الطلاب المصريين، إذا لم ينالوا مجموعاً يؤهلهم حسب المنافسة في الجامعات المصرية، بفارق درجة أو درجتين كانوا يجيئون الى الخرطوم، ويلتحقون بجامعة القاهرة فيها، ويقضون السنة الأولى ثم يحولون الى الجامعات المصرية لمواصلة الدراسة هناك، ويكونوا قد ربحوا سنة إذا كان عليهم إعادة السنة هناك، حتى يتحصلوا على المجموع أو يرتضوا الدراسة بكليات لا يرغبون فيها.. الشاهد إن اثنين من هؤلاء كانت مشكلتهم اللغة الانجليزية، وكان المقرر يتضمن عشرة مواضيع لابد أن يجئ فيها سؤال هي موضوع عن فرويد عسير الهضم.. وموضوع يتضمن قصّة .. « تحت ضوء القمر» « under the moon light » وهي قصة مليئة بالمفردات الشاعرية بجانب موضوع عن «The famly » أي « الأسرة» وهو موضوع سهل ومقدور على حفظه صم، فحفظه الأخوة وراهنوا عليه- أي كان هو «الاسبوتنق» المختار- وجاء يوم الامتحان ووزعت أوراق الإجابة.. وعندما بدأ توزيع أوراق الأسئلة وكان «جميل» شفقاناً يجلس في الكراسي الخلفية وصديقه «أميل» يجلس في الكراسي الأولى.. وعندما استلم «أميل» الأسئله سأله جميل «الفاميلى قى»-أى موضوع الفاميلى جاء ضمن الأسئلة- فقال له: أيوه قى.. فشرع في كتابة الموضوع المحفوظ.. وعندما وصله المراقب ووجده قد كتب صفحة كاملة.. صاح فيه إيه ده.. إيه ده.. ازاى بتكتب قبل تعرف الأسئلة... وقامت شمطة أخيراً، قرر المراقب أن يصادر ورقة صديقنا جميل، ظل مطالباً بكراسته الأولى فسأله المراقب: انت مش اللى كاتبها فقال له: أيوه.. ومن دماغك.. فقال: أيوه.. طب ما تكتب ماهي الورقه قُدامك.. فقال بحسره: تجي منين ما نزلت خلاص أي إنه بمجرد أن افرغها طارت من رأسه، فقد حفظها كالببغاء.. ولما أفرغها على الورقة أخلى منها ذهنه تماماً.. -وهذا يرينا خطورة الحفظ الببغائي، وربما بسببه يتخرج طالب وقد نسي تفاصيل المقرر كلها، فقد نساها بعد أن نزلت على الورقة. -والمصريون يسمون هذا الطالب «الصمام» أي الذي يحفظ صم.. وكنت ألاحظ في الامتحانات زميلة لنا أثناء اجابتها كل فترة، تشير برأسها إشارة ذات دلالة.. ولما انتهى الامتحان سألتها عن سر هزة الرأس فقالت بكل بساطه: إنها تقلب الصفحه أي إنها تحفظ الصفحة ذاتها.