بعد عودة وزارة الخارجية لاحضان المؤتمر الوطني بانفصال الجنوب.. «تراوحت» توقعات المراقبين أن تؤول أهم حقيبة وزارية للطبيب مصطفى عثمان ليوقع على وصفات علاجية لسودان ما بعد الجنوب او صعود د. غازي صلاح الدين المفكر والمثقف القادر على الوصول للنقطة صفر في الحوار مع الآخر.. ولكن المفاجأة التي اذهلت الكثيرين اختيار القيادة السياسية للاستاذ علي كرتي.. لا لضعف قدرات او همة ولكنه رجل ملفات اقرب «للعسكر» من المدنيين.. حشد كرتي في سنوات صيف العبور المقاتلين في فناء ادارة الدفاع الشعبي وتصدى لقيادة انقلاب الرابع من رمضان واطاح بشيخه «الترابي» بعيداً عن مسرح الفعل وصعد نجم علي كرتي قريباً من البشير.. بعيداً عن الاضواء والاعلام صاحب نفوذ واسع في الدولة.. صامت حد الغموض لكنه لبق جداً درس القانون في «الجامعة» وحينما تذكر الجامعة في سبعينيات القرن الماضي فأي جامعة غير «الخرطوم»... في العاصمة القطرية الدوحة حيث تتيح مرافقة الصحفي لكبار رجالات الدولة فرصاً للحوار المباشر طلبت من الوزير علي كرتي حديثاً ولم يبد ممانعة او يصطنع الاهمية.. كان صادقاً حينما قال في طريق عودتنا قد نتحدث اليك! لاكثر من ساعة.. اجاب وزير الخارجية على الاسئلة التي وضعتها امامه لم «يعتذر» عن كشط كلمة سقطت سهواً من الشريط ولم يحدثني عن اشياء ليست للنشر.. تبدت امامي صورة رجل دولة يتحدث بدقة وصدق مع النفس فماذا قال.. ماذا بعد إعلان تأجيل مؤتمر «استانبول» هل ثمة جهود لتسوية الملف مع الأتراك؟ - ليست بين السودان وتركيا أزمة أو سوء تفاهم، القضية بيننا والولاياتالمتحدةالأمريكية، التي نصبت نفسها شرطياً في العالم.. يصحح شرطي العالم اداء حكومات.. هذه جيدة الأداء، وتلك وسط، وثالثة سيئة.. والولاياتالمتحدة هي من يعرقل ملف التفاوض حول ديون السودان، وإن كانت تعلل بأن العقوبات هي التي تمنع ذلك.. مازالت واشنطن تعِد ولا تفي برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. رغم أن الملف من الناحية الفنية اكتمل، وتوصيات مجلس الأمن للرئيس أوباما التي ورد فيها أن مجلس الأمن لا يرى للسودان علاقة بالإرهاب، ولكن واشنطن ترفض رفع العقوبات، وهي في حرج بالغ إذا كانت هناك دول أخرى تريد مساندة السودان.. إما أن نترك تلك الدول تساند السودان وتخرج تماماً من الساحة، وإما أن نتدخل في إجهاض مبادرات مساعدة السودان. الولاياتالمتحدة هي التي تبنت عقد مؤتمر لتنمية جنوب السودان، رغم كل ما يجري فيه، والاعتداءات على السودان، واستضافته للمتمردين من دارفور، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، ورغم المجازر التي وقعت في جونقلي بجنوب السودان، والتي راح ضحيتها الآلاف من المواطنين، لكن الولاياتالمتحدة عقدت المؤتمر في ذات الفترة.. كل تلك الحيثيات تؤكد أن الولاياتالمتحدة ليست جادة في دعم السودان، وإنما تمارس النفاق السياسي والضغوط على الأطراف المختلفة، التي تستضيف مؤتمر تركيا، الشيء الذي أدى لتأجيله. السودان يتعامل مع الملف الخاص بالمحكمة الجنائية بالرفض المطلق، ولم يبذل أي جهد سياسي لمعالجة القضية، التي أقعدت بحركة السودان خارجياً، وفي كل يوم تتمدد عقوبات المحكمة وتحد من حركة الدولة؟ - حالياً ما يلاقيه السودان من مشاكل لأسباب سياسية لا علاقة لها بملف المحكمة الجنائية.. والمحكمة هي واحدة من آليات الضغط على السودان، وهي لا تساوي شيئاً مقارنة بآليات الضغط الاقتصادي والسياسي.. منذ أن أحيل اليها موضوع دارفور، وحتى الآن لم يتأثر السودان بقراراتها.. بل هي آلية إعلامية موجهة ضد السودان، وحركة سياسية يقودها المدعي العام اوكامبو، ومناشدات الدول للتعاون معها، ولو كانت المحكمة تستطيع أن تفعل شيئاً لن يكون سلاحها فقط المناشدات، أنا لا اعتقد أن المحكمة الجنائية الدولية- وإن كان فيها تعدٍ كبير وسافر على السودان وقيادته- لكنها ليست العقبة التي نعاني منها الآن. لكنها قيدت حركة المسؤولين.. كالرئيس وأحمد هارون، وأخيراً الفريق عبد الرحيم محمد حسين؟!! - مطلقاً لم تقيد حركة المسؤولين، والسيد رئيس الجمهورية ظل في العام الماضي والحالي يطوف العالم، ويخاطب المؤتمرات، ويزور أية دولة للسودان معها مصلحة.. صحيح أن الدول الغربية لا تستقبل الرئيس، وحاولت التأثير على بعض الدول، ولكن أنظر لحركة الرئيس في كل افريقيا والعالم العربي وكل آسيا.. خلال ثلاثة أعوام خرج الرئيس لدول عديدة جداً.. المسافات التي قطعها الرئيس في العام الماضي قياسية مقارنة برؤساء دول أخرى. هل تراجعت الخرطوم عن استقبال خالد مشعل زعيم الحركة الإسلامية في فلسطين للإقامة في الخرطوم؟ - خالد مشعل لم يطلب الإقامة في الخرطوم. لو طلب مشعل الإقامة في الخرطوم هل توافقون؟ - لو طلب ذلك سندرس الموضوع ولن يتوانى السودان في تقديم المساعدات للفلسطينيين. من أين جاءت تسريبات رفض السودان استقبال خالد مشعل ومَن وراء التسريبات؟ - لعل زيارة خالد مشعل الأخيرة لسوريا، وفي ظروف الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها سوريا.. فتحت شهية بعض الناس «للتخيل» بأن خالد مشعل جاء لطلب الإقامة في الخرطوم، أنا التقيت الأخ خالد وحضرت نقاشه مع عدد كبير من المسؤولين، حتى قضية حماس وخروجها من سوريا لم تطرح في مفاوضات خالد مشعل مع القيادات في الخرطوم. بعد الموقف الرسمي الذي صدر من «علي كرتي»، والداعم للشعب السوري في مواجهة القمع الحكومي، حاولت الخرطوم الاعتذار عن موقفك الرسمي بموقف آخر يمثله الفريق الدابي، الذي جاءت تصريحاته مناقضة لمواقف السودان الرسمية، وقف الدابي الى صف القاتل ووقف كرتي الى جوار المقتول؟ - لا عتقد ذلك.. السفير الدابي قام بواجبه كمراقب وهو كان ينقل فقط مارأه المراقبون.. الذين يمثلون جميع الدول العربية، والمنتشرون في خمسة عشر موقعاً.. الفريق الدابي كان دوره ينحصر فقط في تجميع تقارير المواقع الخمسة عشر، وإيرادها لمجلس الجامعة العربية.. وقد استطاع الدابي بجهوده أن يحاصر حركة القوات الحكومية، ويفتح الباب أكثر للمواطنين السوريين للخروج، وكانت القوات الحكومية السورية في حضور المراقبين لا تستطيع أن تفعل شيئاً.. كيف يكون السودان قد اعتذر لسوريا بمواقف أبداها الفريق الدابي الذي لم يقل إلا ما شاهده. لماذا لم يعزز وصول حركة النهضة التونسية- بقيادة راشد الغنوشي- علاقات الخرطومبتونس، والتي تبدو حتى اليوم باردة وفاترة، كأن بن علي ما يزال في السلطة، وراشد الغنوشي الإسلامي لا يملك القرار؟ وهل لحركة النهضة مواقف سالبة نحو الخرطوم؟ - لا أعتقد ذلك، ولكن حركة النهضة مشغولة بقضايا معقدة جداً داخل تونس.. وعليهم واجبات كبيرة ومحتاجة لقدر من التركيز الداخلي، وقد تفاهمنا معهم حول هذه القضايا وقد برروا لنا ذلك، وفي تقديري نحن علينا أن نمنح النهضة والأحزاب التي فازت في الانتخابات للتركيز على قضايا الداخل، التي أشعلت جذوة الثورة هناك، وحتى الآن تونس لم تنفتح على اية دولة، وعدم انفتاحها على السودان لم يكن إلا للأسباب التي ذكرتها في الانشغالات بقضايا الداخل.. نحن نأمل أن تتمكن الحكومة التونسية أن تمسك بزمام الأمور، وأن تحل القضايا الأساسية التي تواجهها ونحن على ثقة.. دول الربيع العربي تقف في موضع النقيض، وتنظر بسلبية لعلاقتها بالدول العربية التي ينتظر أن يهب ربيعها؟ - هذا ليس صحيحاً.. الدول التي اجتاحتها رياح الربيع أكبر مكوناتها الأحزاب الإسلامية، والسودان له علاقات وثيقة بالأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية، والذين نجحوا في اقتلاع الأنظمة من الثوار علاقاتهم جيدة مع السودان.. لا تباعد بيننا والثوار في مصر وتونس وليبيا. هل تجاوزت العلاقة مع ليبيا حقبة القذافي؟ - علاقاتنا مع الثوار في ليبيا جيدة جداً، ونحن أول الدول التي وقفت مع الثوار الليبيين، وزرت أنا بنغازي حتى قبل تحرير طرابلس، ثم زارها النائب الأول، ثم بعد انتصار الثوار على النظام البائد السابق، زار الرئيس ليبيا، وفي كل المحافل نلتقي والمؤتمر الذي أقيم في ليبيا بدول الجوار الليبي، فكرة سودانية استجابت لها ليبيا وتبنت المؤتمر، وهناك تعاون كبير لتأمين الحدود بين البلدين، والمساعدة في تأمين الحدود الجنوبية لليبيا. هل تخلص السودان وتعافى من حقبة الإرهاب ومزاعم إيواء الخرطوم لجماعات إرهابية؟ - السودان لم يأوِ في تاريخه جماعات إرهابية.. دخلت الأراضي السودانية في حقبة التسعينيات بعض الجماعات التي تعرضت لضغوط في دولها، وعبرت حدودنا وخلال وجودها هنا لم تتآمر على أحد.. بل هي جاءت للسودان للخروج من واقع الضغوطات التي تعرضت لها في دولها، والسودان ساعد تلك الجماعات لتخرج من أزمتها، وكان ذلك في بداية التسعينيات، لكن حاولت جهات عديدة الصاق تهمة الإرهاب بالسودان، ولم يجدوا دليلاً على مزاعمهم، الإدارة الأمريكية الآن قدمت تقريرها التاسع وهي تقول ليست هناك علاقة بين السودان والإرهاب. الأزمة الاقتصادية التي القت بظلالها على البلاد هل أثرت على حركة وزارة الخارجية والنشاط الدبلوماسي؟ - بصراحة منذ عامين التوجيهات الواضحة للدبلوماسيين والسفراء، والتوجيهات التي تصدر في المركز هي التركيز على الجوانب الاقتصادية في اي دولة، حتى لو كانت الولاياتالمتحدة.. لأن التركيز على الجوانب السياسية «ضيع» على السودان فرص كبيرة.. والآن نحاول استغلال وجود السودان كجاليات وسفارات لصالح تحسين الأوضاع الاقتصادية حتى قبل انفصال الجنوب. الآن نجاح السفير في المحطة الخارجية رهين باتصالاته بالجهات ذات العلاقة بالاقتصاد سواء أكانت شركات أو مستثمرين أو رجال الأعمال. لذلك سفراء السودان مشغولون جداً بالتواصل الاقتصادي مع الجهات التي تعمل في الاقتصاد، والجهات التي لدينا فيها تمثيل.