إن بعض الناس لا يجيد سوى النقد وتصيّد الأخطاء .. ولا يكاد يعجبه شيء..وحاشا أن يكون السبب هو سلامة ذوقه وحسه الرفيع.. إنما هو في الأصل إنحراف في مودته .. واعوجاج في تقبله الآخرين .. وازدراء مخالف لكل ما سواه فهؤلاء لا يرون في الطعام الجيد الا أنه قليل الملح .. ولا الثوب الجميل الا نقطة الحبر التي سالت بلا قصد .. ولا في الكتاب المفيد الا خطأً مطبعياً وقع سهواً .. وإن فلانة جميلة .. لكنها غير متعلمة .. وغيرها متعلمة .. راقية .. لتغطي قبحها .. وفلان قائم بواجبات زوجته وتعيش معه في سعة من الرزق .. لأنه متزوج عليها سراً .. فلا يكاد يسلم أحد من النقد .. ولا يرى ببصره وبصيرته العمياء سوي ذاته المتضخمة والتي يراها مثالية ومقياس لكل البشر وبما أنه سلطان زمانه .. ولكل زمان سلطان فلا أحد يدانيه مكانة وكل ما يفعله صحيح وجميل والبقية ليس لها سوى العيوب والنقصان .. ومثل هؤلاء بالطبع لا يمكن أن يوجهوا اللوم لأنفسهم .. لأنهم مشغولون بالآخرين ومحاسبتهم وكشف عوراتهم والكيل بأردب الشنار واللوم .. قال أنس رضي الله عنه والله خدمت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تسع سنين ماسمعته قال لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا ..؟؟ ولا عاب شيئاً قط وقالت عائشة رضي الله عنها ما عاب رسول (صلى الله عليه وسلم) طعاماً قط؛ اذا اشتهاه أكله والا تركه .. وهذا لا يعني ترك النصيحة أو السكوت عن الأخطاء .. لكن طبيعة البشر تكره الإنتقاد المباشر الجارح .. ولو أنه كان في شكل مغلف بصورة اقتراح بعيداً عن سلب المشاعر أعز ما فيها وهو الإحساس بذاتها وانسانيتها .. وقد كان الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ولنا فيه أسوة حسنة .. اذا لاحظ خطأً على أحد لم يواجهه به .. انمايقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا .. زاوية أخيرة: كن كالنحلة تقع على الطيب فتغنيك عن الطبيب .. ولا تكن كالذباب يتتبع الجروح والقيح ..