أين أنت يا مرسي صالح سراج.. أيها النوبي الفصيح.. وليتك كنت معنا وشعبك يترجم في إبانة ووضوح ونصاعة.. كلماتك الرائعات تلك التي أودعتها.. بل غرستها في تربة هذا الوطن الجميل.. قبل خمسين سنة وتزيد.. ليتك كنت معنا.. ونحن نترجم وعلى مساحة الوطن.. بل نرسم بضياء المصابيح الأنجم الزواهر.. وبأشعة القمر تلك التي تبهر كاللآليء.. روعة الحروف التي صنعتها من تجاويف صدرك.. من أوتار عصبك.. من سامي روحك.. ويا لها من حروف.. ويا له من نشيد.. وما أصدقها من كلمات.. كلماتك أنت.. نحن في الشدة بأس يتجلى.. ثم نهيم من النهر ذاك الذي هام يستلهم حسناً.. فإذا عبر بلادي ما تمنى.. حتى تصل إلى ضفة الاخضرار وبر السلامة وروعة الأرض المنبسطة يكسوها روعة العشب الأخضر.. وأزهاراً رائعة ملونة على ضفتي النهر العظيم.. تستريح روحك.. بل تسعد روحك تلك التي صعدت إلى السماء.. تبتهج وأنت ترى كلماتك تمشي واقعاً.. زاهياً مزهواً.. وصوتك يجلجل في الفضاء.. سنرد اليوم كيد الكائدين.. وحدة تقوى على مر السنين.. ونعم هجليج عادت إلى حضن الوطن.. ملتحقة بأخواتها ذرات التراب.. وتنتهي الملحمة بنصر مؤزر.. وتتلون الصورة ببهيج الأصباغ وتتقافز الصورة حتى أوشكت على الخروج من الإطار.. ونقف صفوفاً لنتأمل.. ونحكي عن الصورة.. هي مدهشة فائقة الجمال.. ولكن.. لابد من إظهار بعض إخفاق وقدر من ظلال.. لوحة على سطح أرض الوطن العظيم.. هي ليست بريشة الفنان السريالي المعربد.. سلفادور دالي.. ولا بريشة عبقري الخطوط بديع الفرشاة بيكاسو.. ولا محفورة بإزميل دافنشي.. هي لوحة رسمها شعب السودان.. بكل ألوانه.. بكل مكوناته.. بكل أعراقه.. بكل أحزابه.. هي ليست رسماً مقدساً.. كلكها أو جلها إشراق.. تضيء من أركانها بؤر الضياء.. وتنطق من قلبها بهيج الألحان.. وبها بعض من ظلال.. وقليل من سواد.. وبسيط من أخطاء.. ولست سادياً لأعذب نفسي.. ولست شريراً لأفسد على شعبنا العظيم بهجة عرسه.. ولست من الذين لا يعجبهم العجب.. ولا يصومون في رجب.. كما أني لست في حاجة لأعرض فرحي.. وأظهر سعادتي لسيد أو حزب أو سادة.. يكفي كثيراً أن أرضي نفسي.. واحترم ذاتي.. لأسعد بالذي يسعد شعبي.. بأن احتفي بروحي وهي تتدفق فرحاً.. وتسيل بهجة.. ووطني تشرق أضواء شمسه والتي هي شمسي.. أعود إلى اللوحة.. وأعود إلى مرسي صالح سراج.. والرجل كان يتحدث عن شعب وأمة ووطن.. ما كان يعني حزباً ولا جماعة ولا حتى حكومة أي حكومة كانت.. عندما هدر.. بل هتف بكلماته تلك الصادقات.. الإمبراطور وردي وهو ينشد.. نحن في الشدة بأس يتجلى.. وقد كانت أيام شدة وشعب السودان.. كله.. مشدودة عيونه وآذانه وقلوبه وأعصابه إلى تلك الشدة.. فكان بأساً وقد تجلى.. وأعود لك مرة أخرى إلى «مرسي» وهو ينشد.. سنرد اليوم كيد الكائدين.. وحدة تقوى على مر السنين وارتد كيد الكائدين.. وأعظم من هذا أنها كانت وحدة تقوى على مر السنين.. نعم.. كل شعب السودان.. بلا استثناء.. شريكاً أصيلاً في هذه المعركة.. مساهماً أصيلاً في ذاك النصر.. وعلى الأحبة في المؤتمر الوطني.. دراسة ذاك الجزء المضيء من اللوحة.. حتى لا تتمدد ظلالهم وحتى لا تتضخم ذواتهم.. وحتى لا ينسبون كل ذلك لهم وحدهم.. وهذا أغلى درس في هذه المعركة.. وبكرة نواصل..