فجعت كسائر كل الذين يعرفونك بفراقك، ولم أحسب أنني لن أراك مرة أخرى، حينما تحدثت معك قبل سفري لأمريكا بيوم واحد، بل تواعدنا أن نلتقي بعد عودتي التي لم تتجاوز الثلاثة أسابيع، وسألتك عن صحتك وعبر ابتسامتك وضحكتك التي كدت أراها عبر الهاتف طمأنتني، وقلت لي «أنا كويس جداً بعد أن استطاع الأطباء في مصر محاصرة ذلك المرض اللعين» وهذه عادتك التي لم تبدلها طيلة تلك السنوات التي عشناها سوياً في القاهرة، حيث لم أرك يوماً تشكو من المرض أو حتى الصداع، بمنهج حياتك الرائع الذي لا يريد أن يشغل الآخرين بآلامه.. رحل عن هذه الدنيا الفانية الصديق العزيز البشوش المبدع زين العابدين أحمد محمد الصحفي الشامل، والإنسان الخلوق، بعد صراع مع المرض لم يحسس أحداً بخطورته، بل ظل يتعامل معه بابتسامة لم تفارق شفتيه، وتواصل مع الناس لم ينقطع، لدرجة أن أحداً لم يتصور أن الزين سيفارق هذا الكون، ولكنها مشيئة الله الذي اصطفاه واختاره إلى جواره. لقد عرفت زين العابدين في بداية التسعينيات بالقاهرة، حينما قدم من السودان منضماً إلى صفوف المعارضة، بعد أن أغلق مكتب صحيفة الشرق الأوسط، وتوطدت الصلة بيننا بسرعة فائقة، فتلك كانت من سمات شخصيته البسيطة المبهرة، والتي تجعلك تبحث عنه حينما يفارقك، فقد كان عليه رحمة الله اجتماعياً من طراز فريد، ومحبوباً من كل الناس، فلم أجد إنساناً يشكو منه، ولم يختلف مع أحد أو يتخاصم مع بشر، بل ظل هو ذلك الكائن المتصالح مع نفسه، ومع كل الناس، ولقد أسعدتني الصدف بأن يشاركني السكن في شقتي التي كانت في ميدان سانت فاتيما بمصر الجديدة لعدد من المرات، مما وثق الصلة بيني وبينه، وصار مجلسنا عامراً دائماً بكل القادمين من السودان، خاصة الفنانين في كافة المجالات الغنائية والتشكيلية والرياضية، وأيضاً الصحافيين، وكما ذكرت فهو موسوعة في كل مجالات العمل الإعلامي، فقد كتب في الرياضة والثقافة، وحرر الصفحات الفنية في العديد من الصحف، بجانب ولعه بالسياسة من منظور احترام الرأي الآخر، حيث قدمته الفضائية المصرية في عدد من المرات ليعلق على الأوضاع في السودان. رحل زين العابدين المحبوب، ذلك الإنسان الذي استطاع أن يخلق علاقات مميزة مع كافة المثقفين والفنانين المصريين، وعبره تعرفت على عدد منهم، وفوق كل ذلك كان يدفع الفنانين نحو النجومية بأشعاره الرائعة، ودعمه الاجتماعي، ونصائحه الفريدة، فهو بطبعه قد خُلق وُوجد في هذا الكون من أجل الآخرين الذين ساعد الكثير منهم في الإنطلاق إلى الأمام، ومازالوا يجزلون له الشكر، ويترحمون عليه، ويفتقدونه أكثر وأكثر، ألا رحم الله زين العابدين أحمد محمد الإنسان النسمة الباردة في ذلك الصيف الحار، فقد كان شمعة تحترق من أجل الآخرين، ودعوتي لكل أحبائه من أجل أن نؤبنه بالشكل الذي كان يريده بمشاركة الأدباء والشعراء والفنانين عليه الرحمة أبداً ومع الشهداء والصديقين في رحاب الله الواحد الأحد.