توقف أي حديث عن مهمة إمبيكي.. حتى الذين دأبوا على انتقاده بشدة خلال رحلاته الماكوكية صمتوا كأنهم يقولون (الضرب على الميت حرام).. كان هذا المشهد خلال الشهرين الماضيين عندما دوت مدافع التصريحات وبعدها مدافع القذائف والراجمات .. سكت كل حديث عن التفاوض والوساطات والحريات الأربع والعشر.. أعتقد الجميع أن السلاح سيحسم كل جدل.. تقدم قوات جنوب السودان داخل هجليج بتلك الأعداد الكبيرة والنيران الكثيفة وما صاحبها من تصريحات لرئيس الجنوب أنه دخل أرضاً تابعة له ولن يخرج.. استعد إمبيكي نفسه لاعتزال المهمة بعد أن اعتزلته وتوقفت تصريحاته المتفائلة.. الآن.. وفجأة.. عاد.. ولكنها عودة مختلفة.. لأن الأمور على الأرض تغيرت.. فهل تسهِّل هذه التغيرات المهمة أم تصعبها؟.. ومن الطرف الذي سيبدو أكثر حرصاً على نجاح إمبيكي هذه المرة؟.. وهل ينجح؟ مراقب سياسي متخصص فضّل حجب اسمه قال: لا يختلف اثنان أن التطورات الأخيرة على ساحة العمليات وفي المنظمات الإقليمية والدولية هي التي عجلت بعودة إمبيكي بعد أن بدأ هو نفسه إجراءات اعتزال العمل السياسي حتى على صعيد وطنه جنوب أفريقيا. الخسائر الكبيرة التي لحقت بجيش الحركة الشعبية في هجليج والتي بلغت حوالي الألفي قتيل ومئات المركبات والأسلحة وما تبعها من حصار اقتصادي جوي يمنع وصول أية مواد تموينية إلى كل الجزء الشمالي في دولة جنوب السودان التي تحتضن أكبر القبائل في الجنوب (الدينكا- النوير- الشلك) وبها أكثر من ثلثي سكانه، أجبر لوردات الحرب في جوبا على مراجعة أولوياتهم والاهتمام بالبقاء على قيد الحياة أو على قيد الوظيفة في الوقت الحالي، ونسيان أية أحلام باعوها لمن جندوهم في إسرائيل وأوروبا وأمريكا حول قدرتهم على إسقاط (الحكومة الإسلامية المتطرفة) في الخرطوم بالتعاون مع حلفائهم في قطاع الشمال والحركات المسلحة والأحزاب المعارضة. ويرى المراقب السياسي أن الحصار الاقتصادي الذي نفذ بحزم منع وصول أية سلع إلى جنوب السودان، كان أقوى عامل لدفع حكومة الحركة الشعبية للتراجع، لأن هذا التطور الأخير جعل الجنوبيين يشعرون بأهمية العلاقة السلمية مع الخرطوم ويدركون اعتمادهم الكامل على الشمال في حياتهم اليومية، وأضاف بالقول كذلك معزوفة استعباد الشمال لهم (الاستعمار الشمالي) و(الاسترقاق)، لن تجد أذناً صاغية، فانطلقت التظاهرات في بعض المدن وهي ترفع علم السودان، إضافة إلى ضعف الجنوبيين في مقاومة القوات المعارضة للحركة الشعبية وهي تحتل القرى وتقترب من محاصرة ملكال، لأنهم يرون فيها مخرجاً يعيد العلاقات مع الشمال كما كانت سابقاً. وأشار المراقب إلى أن المواصلة في تشديد الإجراءات في زاوية الحصار الاقتصادي وعدم رفعها حتى لحظات التفاوض، ستجبر سلفاكير على قطع علاقته بالحركات المسلحة في الشمال، كما أن هذا التشديد مع رفع الكفاءة القتالية للقوات المسلحة والجيش هي التي أعادت الحركة الشعبية إلى عقلها وإمبيكي مرة أخرى وسهلت مهمته. المحلل السياسي ويرى الناطق الرسمي بحزب البعث العربي وتحالف قوى الإجماع الوطني أن مهمة إمبيكي الآن أصبحت سهلة مع وجود ضمان تنفيذ مهمة الاتحاد الأفريقي، لأن المهمة الآن أصبحت خارج صلاحيات إمبيكي بعد أن تم قبول مسودة المشروع الأفريقي من الأممالمتحدة وتنفيذ موجهات المبادرة الأفريقية والفصل السابع الذي يخول للأمم المتحدة لأي ظرف التدخل في حالة رفض أي طرف من الطرفين الالتزام بالشروط، وقال عمر ضياء الدين إن السودان قبل تحرير هجليج كان موقفه أفضل على طاولة المفاوضات باعتباره معتدى عليه، أما بعد التحرير وخطاب الحكومة العدائي والمتمثل في الدعوة لإسقاط النظام في جوبا، أصبحنا دولة معتدية، الأمر الذي سوف يصعب على السودان إدارة ملف الأزمة، مشيراً إلى أن جوبا تعاملت بذكاء بإعلانها الانسحاب من هجليج رغم أنها خرجت مهزومة بناء على رغبة الأمين العام للأمم المتحدة، ولم تستطع الدبلوماسية السودانية تداركه على طاولة المفاوضات، وقال إن المطلوب للوصول إلى حل هو إرادة جادة للطرفين، مؤكداً أن إمبيكي الآن أصبح لاعباً دولياً والمبادرة الأفريفية أصبحت مبادرة دولية.. ويبقى السؤال قائماً.. متى يعتزل إمبيكي لعبة السودان وجوبا ويتقاعد إلى معاش المفاوضات؟!