تشهد الشقيقة مصر هذه الأيام أقوى معركة انتخابية لاختيار الرئيس القادم في أول انتخابات تعددية حقيقية دون عزل سياسي لأحد نتيجة موقف أو فكر أو انتماء، وحظوظ المرشحين تكاد تكون متشابهة في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، وربما تساوت فرص عدد من المرشحين في الحصول على أصوات تؤهلهم للمنافسة الحقة لكن مع ذلك سيظل مأزق الانتخابات قائماً، ومأزق الرئيس القادم سيكون هو الأبرز، إذ أن الفترة الانتقالية التي أعقبت حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك كانت- حسب تقديرنا- قصيرة إلى الحد الذي قد يؤجج نيران الفتنة السياسية والطائفية، لأن بعض المعالجات الدستورية والسياسية العاجلة لم تتم. الآن تتحكم جماعة الإخوان المسلمين ومجموعة السلفيين في البرلمان المصري (مجلس الشعب)، باستحواذها على غالبية مقاعد البرلمان، وهذه الجماعات نفسها تسعى للسيطرة على السلطة التنفيذية من خلال ارتفاع أصوات تنادي بسحب الثقة من حكومة الدكتور الجنزوري، كما تسعى للسيطرة على مؤسسة الرئاسة حال فوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين بالمنصب. لجنة الدستور تعثرت، وجوبهت بحرب شرسة من القوى السياسية الليبرالية واليسارية خشية أن يجيء الدستور المصري الجديد إسلامياً صرفاً بحكم تكوين اللجنة، وهذا سيشكل مأزقاً سياسياً دقيقاً لمصر اليوم ومصر المستقبل، لأن الدستور الذي تضعه الأغلبية البرلمانية يكون عرضة للتغيير حال فوز حزب أو أحزاب أخرى بالأغلبية في أية انتخابات قادمة. كثير من المفكرين والساسة وقادة الرأي في مصر يرون أن دستور السنهوري هو أفضل دستور لمصر الثورة، وقد وضعه أحد أبرز أعلام الفقه والقانون في مصر والوطن العربي الدكتور عبد الرزاق السنهوري المولود في 1895م والمتوفي في عام 1971م، الذي تولى وزارة المعارف العمومية في أكثر من وزارة خلال الفترة من (1945-1949م) وأسس جامعة فاروق (الاسكندرية الآن) وجامعة محمد علي، وعين عام 1949م رئيساً لمجلس الدولة، وشارك في وضع الدستور المصري بعد إلغاء دستور 1923م، إذ كان رئيساً للجنة الحكماء التي وضعت مشروع دستور عام 1954م، الذي يعتبره بعض مرشحي الرئاسة ومن بينهم السيد عمرو موسى، هو الأصلح لمصر في الفترة الحالية. الخلاف القائم أيضاً ولم يحسم بعد هو نظام الحكم، هل ستكون مصر جمهورية رئاسية، أم جمهورية برلمانية، وإذا حدث أن تم الاتفاق على النظام الرئاسي وفاز بالرئاسة مرشح من غير الإسلاميين فإن الصدام واقع واقع بينه وبين البرلمان (مجلس الشعب)، وإن فاز مرشح إسلامي فإن القوى السياسية ستحشد مناصريها لمنع سيطرة الإخوان المسلمين والإسلاميين على مفاصل الدولة. في يناير الماضي زرت القاهرة ضمن وفد برلماني ترأسه مولانا أحمد إبراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني، لتهنئة الشعب المصري بنجاح ثورته، وتهنئة الدكتور سعد الكتاتني وأعضاء مجلس الشعب المصري بالفوز وتشكيل المجلس، وحدث أن التقينا برئيس المجلس العسكري الأعلى المشير طنطاوي وبرئيس الوزراء الدكتور الجنزوري وبعدد من قادة الأحزاب والقوى السياسية المصرية، وقد سألني عدد من زملائي في الصحافة المصرية عن توقعاتي للأحداث القادمة، أذكر أنني قلت لهم إن مخاض الثورة مستمر وإن الأمور لن تستقر قبل عامين أو ثلاثة إلى أن يتم الاتفاق على تغيير الدستور والتشريعات والقوانين، لأن الحكم هو التشريعات والقوانين، وضربت لهم مثلاً بالثورة الفرنسية التي لم تكتمل ملامحها السياسية والدستورية إلا بعد عشر سنوات. وتمنيت لو أن الفترة الانتقالية في مصر استمرت إلى ما بين ثلاث إلى خمس سنوات.