في عدد سابق من «آخر لحظة» كتبت عن الإنجاز الكبير والذي كان في بدايته. وأعود الآن لأكتب وأقول بأن هذا المشروع العظيم قد اكتمل تماماً وأصبح حقيقةً تعبر عن مفخرة للإنسان السوداني الذي استطاع أن يحقق المعجزات ، وها هو قد حرر هجليج في سبعة أيام، وأطفأ نيرانها في عشرة. وعن ترعة ري الجزيرة إسلانج والتي بدأ العمل فيها يوم الثاني عشر من أبريل، والآن ونحن في منتصف مايو قد اكتمل العمل فيها تماماً، ولم يتبق إلا ضخ المياه لتروي الحقول والمزارع في أكبر رقعة زراعية في ولاية الخرطوم. وأقول عن هذا المشروع الكبير، بأن هناك انجازات تستحق أن تذكر وأن تتم الإشادة بها. ولكنها لم تجد شيئاً من الإعلام، وهذا أسبابه وجود نوع جيد من المسؤولين يرغبون العمل في صمتٍ دون جلبة وضوضاء. وهذا ما حدث بالنسبة للمشروع الذي أردت الحديث عنه وهو مشروع ترعة الري با لجزيرة اسلانج ، والذي استطاعت وزارة الزراعة بولاية الخرطوم أن تنجزه في أيامٍ قلائل، بفضل جهد العاملين فيها، بدايةً من وزير الزراعة السيد أزهري خلف الله وتيم المهندسين والعاملين، ولابد لنا من كلمات عن منطقة الجزيرة اسلانج والتي حظيت بهذا المشروع الهام، والذي تحقق به مصلحة كبيرة لأهل المنطقة وللوطن عامة ، لأن الجزيرة اسلانج تعتبر من أكبر المساحات المنتجة بولاية الخرطوم، واسلانج هي جزيرة قد كان بها عدد من القرى ويسكنها أكثر من خمسة ألف أسرة وقد غمرها فيضان عام 1946م الأمر الذي أجبر سكانها إلى الهجرة للضفة الغربية، وبمساعدة نظام جعفر نميري له الرحمة فقد إكتمل التهجير لكل أهل اسلانج في عام 1975م. حيث تم تخطيط الأراضي بالضفة الغربية كنظام المدن، وتم مدهم بالماء والكهرباء. وكانت اسلانج أول قرى ولاية الخرطوم، التي حظيت بالتخطيط ، وكان جعفر نميري قد خاطبهم في أحد لقاءاته قائلاً: يا مواطنو الجزيرة اسلانج أريدكم أن تنفذوا التهجير، إلى الضفة الغربية، لتكون هناك مدينة اسلانج الثورة، تم إضافة مساحات المباني إلى الرقعة الزراعية، لنقيم في اسلانج البساتين ، والحقول، ومزارع الألبان، لمزيد من الإنتاج لتغذية العاصمة، ولفائدتكم وفائدة الوطن عامة، وبالفعل قد صدقت نبوءة جعفر نميري، وقد اكتملت هجرة اسلانج. وأصبحت الآن مدينة كبيرة، بها كل الخدمات الضرورية، المستشفى، والمدارس، لكل المراحل ومركزاً للشرطة، ومجمعاً للمحاكم تحت التشييد، وسبعة مساجد، وخلاوى للقرآن، ومركزاً للدعوة ينشط فيه العلم بالقرآن. وتحولت كل المباني التي رحلت إلى مزارع تنتج كل شيء. ولكن في السنوات الأخيرة قد تراجعت إنتاجية الجزيرة اسلانج وأصاب أراضيها البوار، وقل دخل المواطنين، ممن يعتمدون في معيشتهم على الزراعة،بسبب إنحسار النيل، وإزدياد الإطماء، الذي قفل مجاري إنسياب الماء للوابورات، وأصبح الري لا يتحقق للمزارعين، إلا بتكلفةٍ عاليةٍ ، الأمر الذي جعل وزارة الزراعة بولاية الخرطوم تتدخل، لإستجلاب آلات حفرٍ، لتوصيل الماء للطلمبات، وحتى هذه الخطوة قد كانت تتم بالكثير من المعاناة، وهي تجربة لا تكفي بري كل الأراضي، ولذلك فقد تقلصت المساحة المزروعة، وكما أوضحنا فإن وزارة الزراعة قد كانت مهمومة بهذه المشكلة نسبة لأهمية الجزيرة إسلانج كمنطقة زراعية. ولذلك وفي عهد وزير الزراعة السابق مهندس صديق محمد علي الشيخ وهو الآن نائب والي الخرطوم، فقد تكرم بالتصديق على قيام ترعة لتروي كل أراضي الجزيرة إسلانج بواسطة وابورات عائمة، وكنا نرى في الفكرة حلماً جميلاً، يعترينا الخوف أحياناً من عدم تحقيقه. ولكن والحمد لله والشكر له فليس هناك مستحيلاً، مع صدق الرجال وقوة عزمهم، فقد جاء لوزارة الزراعة، وزيرها الجديد المهندس أزهري خلف الله ، و كان خيرَ خلفٍ لخير سلف، وقد عاش مع أهل اسلانج معاناتهم مع إنحسار النيل، وبذل معهم الكثير من الجهد، ولكن دون جدوى، لأن مشكلة إنحسار النيل عامةً أسبابها ضعف ما يأتينا من المصبات، وقد علم السيد الوزير بوجود تصديقاً من زميله السابق، بشق ترعة وعزم على ضرورة الإستعجال بتنفيذها، وقد كانت بدايته جادةً كما أشرنا لها في أول هذا الموضوع، والآن والحمد لله قد أوشك مشروع الترعة على نهايته، وقد كان هذا بفضل جهد السيد الوزير، وجهد كل العاملين بوزارة الزراعة من مهندسين وعمال، والذي تواصل دون راحةٍ أو عطلات. وفي أيامٍ قليلةٍ تم إنجاز هذا العمل الكبير، والذي كانت بدايته في منتصف فبراير. ونحن الآن في منتصف مايو فقد انتهى الحفر، وشُيدت الكباري، وانتهى العمل بحوض الرمي، والبيارة، وتم تركيب الوابورات على صندلٍ عائم، ويدور العمل في تربيط المواسير، ولم يتبقى إلا ضخ المياه في الترعة ، لإعادة الحياة لأراضي الجزيرة إسلانج، وجاري العمل ليعود الفرح للمواطنين بمستقبلٍ زاهرٍ بإذن الله، وما نرجوه! ونأمله ! أن يكون أهل إسلانج بمستوى هذه الثقة التي منحتهم لها وزارة الزراعة بولاية الخرطوم، حيث قامت بواجبها نحوهم خير قيام، ونريدهم أن يقدروا هذا الجهد بالوفاء للوزارة. بمتطلباتها منهم بالرعاية والمحافظة على هذه الترعة والمسارعة بتسديد تكلفة الماء، بدون تبا طؤ وتأخير، لأن هذه الترعة تحتاج للصيانة، وكذلك الوابورات تحتاج لتكلفة التشغيل، وأن عدم الإلتزام الجاد بهذه المتطلبات لا تتضرر منه الوزارة بل أن الضرر أولاً وأخيراً يقع على مزارعي الجزيرة اسلانج. وأقول لوزارة الزراعة وحتى يأتي هذا المشروع ثماره المطلوبة حقا !ً ضرورة التواصل مع مزارعي الجزيرة إسلانج بضرورة الدعم العلمي، لتغيير نظام الزراعة التقليدي، وضرورة زراعة محاصيل ذات عائد وخاصة للصادر، ونأمل من وزارة الزراعة أن تجعل من الجزيرة اسلانج النموذج الذي تحلم بتحقيقه في الولاية من تطوير للزراعة. ونناشد السيد والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر بعد التهنئة له بهذا الإنجاز العظيم والذي تم تحقيقه، وأقول له هناك مطلباً نحلم به ليتحقق في الجزيرة اسلانج وأن دراسة الجدوى تؤيده وتدعمه ألا وهو إقامة جسراً للمساعدة في إخراج منتجات الجزيرة اسلانج فهناك عقبات ومعاناة تستوجب إقامة هذا الجسر ومن خلال زيارتكم لإفتتاح هذه الترعة سوف تشاهدون عظمة أراضي الجزيرة إسلانج، وما سوف تحققه من إنتاجٍ يحتاج حقيقةً لمثل هذا الجسر الهام.