.. ماذا أكتب.. وماذا أقول.. وهل لو كتبت معلقات سوف أجزيه ربع حقه.. لا وألف لا، فقط يكفي أنه نادر خضر.. فهو نادر في صوته وكلماته وأعماله، ولكن قبل كل ذلك هو نادر في طباعه وأخلاقه الفريدة، وعلاقته الحميمة مع كل من اقترب منه، لأنه صاحب شخصية متفردة للغاية، لا يمكنك بأي حال من الأحوال إلا أن تحترمه، وتعجب به، وتبهر لدرجة الإدهاش.. عجز قلمي عن الكتابة عنه، وانشطر القلب لفراقه وتخرج الكلمات من بين يدي معصورة بالدماء، وخانني التركيز لأول مرة في تسطير حرف واحد في حقه.. فهل أقول إنه صاحب صوت طروب ومميز للغاية، فما هي إضافتي في ذلك، أم أقول إنه صاحب لونية غنائية متفردة أهلته لاعتلاء قمة الأغنية السودانية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، فهل هذه أيضاً إضافة، فكلها معلومات معروفة ومحفوظة للجميع.. ولكن السؤال المهم.. ماذا أكتب وماذا أقول عنه ولماذا أكتب؟.. والإجابة هي أنني أكتب ليس لأنني صحفي، فقد سقطت مهنيتي في ذلك، ولم استطع الصمود جراء فقده الجلل، لذا أكتب بأحرف دامية يعتصرها القلب لفراقه، وهذا مداد الصداقة الأخوية بيني وبينه، لأن نادر شخص نادر في صداقته وعشرته، ولكن لا مفر من قضاء الله وقدره، الذي اختطفه منا في لمحة بصر، فقدت فيها صديقي وأخي وحبيبي وحبيب كل الملايين من أبناء هذا الشعب الذين أحبوه بصدق واحتضنوه بحنانهم ولم يرضوا له إلا اسم «حبيبو».. الذي ظل يرافقه من بداياته الفنية وحتى مماته، ولم يترك لي أنا الموجوع والمعذب لفراقه إلا أن اترحم عليه، وأقول له كما كان يقول لي دائماً كلما التقيه باستمرار أو اتصل به بصورة شبه يومية، كان يضحك ويدندن ويقول لي: «أنا ما جفيتك وما طويت الريد لوىüü إلا القدر أحكم وثاقي ولوى، ولو ما بخاف أفقد رضاك أسوي سوىüü وأنا حبي ليك صدقني لسه كما هو» ويعقبها بقوله: «يا عبدو كيف تبدو»، ولا استطيع أن أرد على عباراته المعسولة، واكتفي بتحيته لي، ولكن اليوم ليس ذاك اليوم، فعبدو يا حبيبو كان يبدو سعيداً بسماع صوتك ولقياك باستمرار، ولكنه اليوم مجروح القلب لبعادك، فماذا أفعل بعد أن حارت بي السبل، وأنا أفقد أجمل حبيب للروح، ولكن عزائي الوحيد بأنك خالد في دواخلي أبداً، وكلماتك وصوتك لن يفارق مسامعي ما دمت حياً، وأقول لك: «أنا حبي ليك صدقني دائماً كما هو» فعذراً يا حبيبو لم يطاوعني قلبي على حضور مراسم تشييعك، فكيف أشاهد وداعك الأخير بلا عودة، فقد حبست نفسي في بكاء حار على فراقك، فعبرة وداعك خانقاني وبقاوم في دموعي «عشان ما يشوفها زول»، فأنت كما تقول في أغنياتك العذبة «حروف ندية»، فماذا نقول بعد فراقك. .. علاقتي مع نادر خضر امتدت لأكثر من خمسة عشر عاماً، بدأت بعلاقة معجب بفنان، يحب سماع صوته على الدوام، يحرص على حضور حفلاته، وتطورت في فترة وجيزة جداً بيننا، وذلك لسماحة نادر وطيبته، فأصبحت علاقة صداقة متينة الأوصال والجذور، فآخر مرة تحدثت فيها معه قبل يوم واحد فقط من وفاته، فقد اتصل بي غاضباً وقال: أنت يا عبدو أنا زعلان منك شديد جداً، لانك تستعد للسفر للأردن لعلاج خالتنا ووالدتك السيدة الفضلى جميلة ولم تخبرني بذلك، فهل هذا عنوان الصداقة بيننا، وإذا كانت كذلك ما نفعها» فاعتذرت له عن غلطتي وراضيته، وقال لي: أنا مسافر حفلة وبعد عودتي سوف ازوركم في المنزل لاودعكم قبل السفر» هكذا قال ولم يكن يعلم بأن يد القدر تنتظره لتقبض روحه وتسلمها لخالقها.. فصديق مثل نادر خضر، يحمل كل هذه الصفات والخصال الجميلة، ألا يستحق أن تتقطع وتنزف الدموع لوداعه.. فكما قال لي نادر في وفاة العندليب زيدان إبراهيم.. «قف تأمل.. مغرب العمر واخفاق الشعاع.. ماذا يهم الناس من نجمٍ على وشك الزماع، غاب من بعد طلوع وخبأ بعد التماع».. ألا رحم الله الفنان والإنسان نادر خضر وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء، وأناشد كل أهل السودان بالدعاء له، لأنه الآن في حاجة للدعاء.. اللهم صبرنا على فراقه.. .. ولا حول ولا قوة إلا بالله..