مرثية إلى عاشق الكلمة وأستاذ الأدب والشعر.. تقطر الحروف دمعاً وتئن المعاني حزناً.. وتنوح القوافي.. حين تنعى صانع الكلمات وعبقري المعاني الأخ والصديق الأستاذ الشاعر الأديب والأريب سعادة السفير المغفور له بإذن الله/ سيد أحمد الحردلو «ابن ناوا» يا عاشق النهرين من أين يبدأ نهر الحديث عنك يا زول «يا سوماني» ويا حردلو الدوباي ابتداء من حضرموت التي عملت بها استاذاً، وكنت تنحت بالحروف والكلمات والأشعار محبة السودان في عقول طلابها، وفي فصولها ومعاهدها، وامتد عطاؤك في مناظراتك الشعرية مع شعراء حضرموت بربوعها وشواطئها، زاملت فيها رفاق الحرف في المكلأ، وفي سيئون، ورقصت معهم رقصة الرزفة اليمانية والعرضة السودانية. وظلت رفقتك السومانية ممتدة في قاهرة المعز زمالة هي الألق للمتألقين، والإبداع للمبدعين، رافقت فيها ساسة اليمن ومثقفيها، ورواد مستقبلها تحلمون معاً بمستقبل واعد لشعبكم وأمتكم وأنت تقول لهم: وكل عام والمحبة التي تجمعنا.. تبقى ولا تهون انتم على الخرطوم (سودانية) ونحن في صنعاء يمانيون وبيننا البحر الذي يربطنا وبيننا الود الذي يصون إن رق في صنعاء قلب عاشق هفت له الخرطوم مشتاقون فالحمد لله فإنا فيكمو وأنتم فينا تفكرون ظل اليمن هاجساً في وجدانك، يسوقك سوقاً حتى صرت بها سفيراً، ورحت تنشر العطر في أجوائها، وتزرع الحب في وجدان اليمنيين من خلال لقائه بأخوانه في الطيف اليماني بكل مكوناته، ويتغنى بعشق السودان واليمن، وراح يصوغ سيمفونية رائعة في التناغم الثقافي والفكري والاجتماعي بين الشعبين اليمني والسوداني. وهكذا كان رحمه الله يصوغ فناً من فنون الدبلوماسية الحديثة، نبيلة المقصد، وراقية الهدف، دبلوماسية تتجاوز في امتدادها وتأصيلها الفكري والعلمي ما يحذقه البعض من الدبلوماسيين من فهم قاصر للعلاقات بين الشعوب، وجل فهمهم هو التعامل الضيق معها من خلال النصوص الجامدة في سطور الأوراق والملفات تجاوزهم هذا المتألق. والسودان بهذه الدبلوماسية الرائعة الأداء التي أجاد تمثيلها سعادة السفير المرحوم/ سيد أحمد الحردلو صار في فهم اليمانيين جزءاً من طبوغرافية اليمن ووجدانه السياسي. واستطاع بهذا الأداء الفذ في لقائه بالقيادة اليمنية أن يحصل على إعفاء لكل السومانيين المعتمدين في صنعاء من تكاليفة الإقامة، واستفاد من هذه اللقاء 40 ألف سوداني مقيم آنذاك، حتى سميت اقامتهم آنذاك- وكما يقول صديقي الأستاذ/ عبد العظيم صالح- «باقامة الحردلو» فأي قامة فقدنا. وهنا في الخرطوم ظل هو الحردلو زميل الدرب، ورفيق الحرف، ومخفف الكرب، فقد كانت كلماته نسيماً عليلاً يخفف من حرارة الخرطوم، وسؤاله الدائم عن أهله في اليمن كان بالنسبة لي بلسماً ودواءً يلغي الصعاب ويخفف المصاعب، وهل يقابل الحب إلا بالحب والوفاء إلا بالوفاء. وفي لقائنا الثاني في الخرطوم كان إلى جواري أحدثه وانصرف للكتابة حيناً آخر، تقبل الأمر مني على مضض، وسألني بعد حين بنزف المتلهف للمعرفة ماذا تكتب؟ وهو لا يعرف أني أتعاطى الشعر، وترددت في الإجابة وكيف لا أتردد وأنا الهاوي أمام أستاذ الشعر. ولكني كنت أعلم بأنه ليس هناك ما يسعد الشاعر أكثر من حرف ينبيء عن مشاعر وكلمة تبوح بمكنون وقافية تطرب وجدانه. وعندما لاحظ أحد الأخوة ترددي أفاد الحردلو بأني عندما انصرف عنهم فإني أكتب الشعر، وهنا أقسم الحردلو إلا أن اسمعه ما كتبت. فقلت له أستاذي أن لكل بلدان العالم صفة إلا السودان، فاليمن مثلاً تسمى اليمن السعيد، والعراق بلاد النهرين، ومصر هبة النيل، فلماذا لا يكون للسودان صفة..؟ وقصيدتي هي صفة للسودان وهي بعنوان «السودان هبة الله» سمع باهتمام وفي ختامها السودان يا حبوب يابو جلابية وتوب سألني هل تعلم كاتب أغنية بلدي يا حبوب؟ أجبته أستاذي لا أعلم قائلها لكن سمعتها من وردي منذ زمن طويل، وظلت ترافقني قال.. كاتبها القاعد جنبك وما معقول ما بتعرف منو، وضحك عندما رآني اتصبب عرقاً خجلاً منه. وقال لي دعك من هذا وأنا افتكر نفسي شاعر السودان، وأكتب الشعر منذ خمسين عاماً، ما فكرت لا أنا ولا أحد من شعراء السودان بأن نعطي للسودان صفة زي دي «السودان هبة الله» وجيت انت من اليمن تسبقنا في السودان بهذه الصفة!، حقو تكون في كل الملصقات عن السودان «السودان هبة الله»، لكن ما غريب على أهل اليمن وما الإيمان يمان والحكمة يمانية والصفة دي ذاتها حكمة. وكيف يكون الوفاء لك يا سيد الشعراء مرضياً إلا بالشعر، وراح يستحثني- رحمه الله- في بقية القصائد «السودان هبة الله»، بنت النيل، حكمة الماء، يا أخوة السودان وكانت فرحته بقصائدي تفوق فرحي بها، ويقول كمل عشان يكون ديوانك بعنوان «السودان هبة الله» مقابل ديواني أنتم الناس أيها اليمانيون. سيد الشعراء، أيها السوماني المتفرد، تركتني هنا في الخرطوم، دون أن تودع ودون أن تكتمل حروفي وتتلاقى مع روائعك على جسر الوجدان بين اليمن والسودان سيد الشعراء لا أجد ما أقول إلا: وداعاً.. يا حبوب مبدعاً أنت من مثلك من لكن للحرف محراب ومأوى وسكن مواطن للحب وللحب وطن أنت روحاً وريحاناً وفن عشق السودان دوماً وتغنى باليمن عطر الذكر لن تُنسى ولن اسأل المنان وهاب وهاب المنن يجزيك بالغفران في جنة عدن وأنا لمحزونون لفراقك.. وإنا لله وإنا إليه راجعون سفير الجمهورية اليمنية- الخرطوم