عالية هي في قلوبنا وفي وجداننا، رائعة هي في موقعها واسمها، مميزة بين الولايات بتاريخها وحضارتها، في البركل، والكرو، ونوري، وكرمة، ودنقلا العجوز وغيرها، وهي مدخل الإسلام، ورائدة الكفاح الوطني في كورتي، وفي ديار ود قمر في أقصى جنوبها، فما أعظم الولاية الشمالية بإنسانها ولهجاتها، وما أروع مدائحها وفنونها وتراثها وشخصياتها، هي ولاية لا تمتن على السودان، لكنها قدمت له العلم في مختلف المجالات، في الماضي والحاضر والمستقبل بإذن الله، ومازالت تقدم لساحات الوطن في تفانٍ ونكران ذات. هذه الولاية بهذه الصفات المتعددة وهذه الميزات المتنوعة ما بالها مازالت تترنح على الطريق، رغم أنها ظلت في تاريخها الطويل مثالاً في كل مجال، وقد تشرفنا بالعمل فيها لفترات طويلة في جنوبها، وفي وسطها، وفي شمالها، فخبرنا مدنها وقراها وجزرها ووديانها وجبالها وصحاريها، وعايشنا أنشطتها الإدارية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وعرفنا كواليسها ومساراتها، وطرق تفكير أهلها وقياداتها، وقد كان التوافق هو سمة أهل هذه الولاية، ونأمل أن يستمر ذلك لتظل الولاية الشمالية مثالاً للبقية، لأنها سبقت الأخريات في كل مجال، ولكننا نعلم أن في كل مراحل تغيير حكومتها تختلف وجهات النظر حول الأشخاص، وكان أشهر ذلك ضد استبدال حكومة الوالي ميرغني صالح بحكومة الوالي عادل عوض، إلى أن جاءت حكومة الوالي المنتخب الآن، وقد نقلت الأخبار أن المجلس التشريعي يقوم بحراك محسوس على طريق الإصلاح، إنني لابد أن أشير إلى أنني كنت حضوراً عندما أعلن الوالي أسماء أعضاء حكومته في مؤتمر صحفي بديوان الحكم الاتحادي، وفي نهاية المؤتمر سمعت من يعلق بأن الأسماء المعلنة غريبة على الولاية- رغم الاعتراف بكفاءتها- وغير ملمة بأوضاعها وأحوالها، وأيضاً هناك من يقول إن من بين أبناء الولاية من هو أحق من أولئك، ولكن تظل هذه آراء.. والأمر لتقدير الوالي ومن استشارهم، واليوم يمارس المجلس التشريعي مهامه القانونية، وهو قطعاً أقدر من الآخرين على تقييم الأوضاع وتصحيح ما يستحق التصحيح.. إن الأجهزة التشريعية يجب أن تمارس مهامها بعيداً عن أي مؤثرات، حتى نعيد لهذه الولاية بريقها، وندعم جهود الوالي بالأصلاح المطلوب، وهو قطعاً لن يقف في طريق المجلس التشريعي، وهو يمارس صلاحياته الإصلاحية من خلال تمثيله لكافة مواطني الولاية، والله يرعى الشمالية الفتيه ويصلح حالها أنه سميع مجيب. حتى الطيف رحل خلاني: قبل سنوات عديدة بدأ نجم المرحوم محمد كرم الله يسطع بصورة غطت أشعته كل أرجاء الوطن، وما كانت تقام مناسبة في تلك الأيام، إلا ومحمد كرم الله فارسها بأغانيه التراثية والغزلية المتزنة التي كتبها شعراء كبار، وقد اشتهر المرحوم بأغنية: أما النوم أبى وجافاني واصبح داجي ساهر وين... حتى الطيف رحل خلاني ما طيب لي خاطر. ولهذه الأغنية قصة فقد تزاملت مع شاعرها محمد سعيد دفع الله بجامعة الخرطوم، وكنا نحن أبناء الشايقية نجتمع مساء بسطوح داخلية ترهاقا، ويعزف لنا محمد سعيد على طمبوره الذي كان يصطحبه معه، وكان يترنم بهذه الأغنية ويطلب رأينا فيها، ولا ندري أنها سوف تصبح أغنية السودان الأولى في ذلك الوقت. إن المرحوم محمد كرم الله فنان من نوع آخر، فقد كان يملك الموهبة والصوت والأداء والأخلاق والثقافة العالية، وكان يطرب الناس بصورة تلقائية وكان يتميز بصفات شخصية ملفتة في تلك الآونة، فقد كان يكتفي بشراب كميات من اللبن، وهو يحيي حفلاته ليس كما يفعل الآخرون، فكان قلبه أبيض كذاك اللبن، وتعامله راقياً في تواضع جم، مما أكسبه حباً جارفاً وعلاقات اجتماعية واسعة. لقد نعته الأخبار هذا الاسبوع، فأسدل الستار على هذه الرواية الطويلة من الإبداع، سائلين الله له الرحمة والتعازي لكل أهل السودان وكافة جمهوره، ولأهله وأهل قبيلة الطمبور، وأهل الغناء الشعبي المتميز.