لقد حزنت بدرجة كبيرة لابعاد الدكتور يحيى مكوار وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم واستبداله بآخر- لا علاقة له بالحزب الاتحادي الأصل- وأسباب الحزن لأن دكتور يحيى قد كان من أنجح الذين شملتهم المشاركة من الحزب الاتحادي، بل وأقول إن الرجل قد بيض وجوهنا بحسن أدائه رغم رفضنا للمشاركة. وقد اتضح ذلك من خلال الذين يكثرون الثناء عليه، لأنه قد أحدث اصلاحاً غير مسبوق على مستوى إدارات الوزارة وفي شجاعة، ولم يكترث إلى من انتقدوه ورفعوا أصواتهم ضد قراراته. وقد سمعت الإشادة بالدكتور مكوار حتى من المخلصين من جماعة المؤتمر الوطني.. وشهدوا له بأن من أبعدهم لسوء إدارتهم لم يستبدلهم من الاتحادي الديمقراطي بل جاء بهم من المنتمين للمؤتمر الوطني، ومازادني اطمئناناً على مسيرة الرجل فقد علمت بأن السيد والي الخرطوم دكتور عبد الرحمن الخضر لم يسمع رأي المطالبين بإبعاده والمستنكرين لقراراته.. وأعتقد بأن قرار ابعاده من الوزارة لم يأتِ من السيد الوالي، بل هو قرار ما يسمى بمجلس القيادة بالمؤتمر الوطني، والآن فإن إبعاد دكتور يحيى من وزارة التربية رغم نجاحه فهو قرار خاطيء وظالم لمواقف الحزب الاتحادي مع حزب المؤتمر.. وهو قرار يؤكد صدق ما ظللنا نكرره من رفضنا للمشاركة بأنها سوف تضر بالحزب الاتحادي، وأن الوطن لن يستفيد منها، لأن المؤتمر الوطني لن يتيح الفرصة لغيره وخاصة من يعمل عملاً ناجحاً يجد الثناء عليه، وما كانت رغبة المؤتمر الوطني في اصراره على مشاركتنا معه إلا لتحميلنا ما ارتكبه من أخطاء في حق هذا الوطن، ولنكن شركاء معه في لعنة التاريخ وغضب الشعب السوداني عليه بسبب ما سيلحقه من أضرار قد كانت متوقعة بسبب سوء السياسات التي أدت لانفصال الوطن الواحد، وأورثت شعبه الفقر والهوان. وإن مؤامرة إبعاد الدكتور يحيى أسبابها أنه قد نجح، وهذا النجاح قطعاً لا يعجب- كما أشرنا- جماعة المؤتمر الوطني، وهذا أمر قد كنا نتوقعه، وهم قد أهملوا منذ البداية في إسناد أمر وزارة مهمة لشخص من غير رجالهم ولنا معهم تجارب، ففي مشاركتنا معهم في ما سمى بحكومة الوحدة الوطنية، وقد كان أحد وزرائنا فيها الأستاذ سيد هارون، وقد تم ترشيحه لوزارة التربية والتعليم. وعندما فطنوا لأهمية هذه الوزارة ويمكنه أن يجد من خلالها ما يجعله يقدم خدمة للجماهير تعود عليه أو على حزبه بالنفع والثناء، وسارعوا بالتصحيح، وتم استبعاد سيد هارون من وزارة التربية واستبدلت بالإعلام، وفي حينها قلت للأستاذ سيد بأن الجماعة قصدوك ولا يريدونك أن تقدم عملاً جماهيرياً يحسب لك، وقد قرروا إبعادك ويجب أن تقدم استقالتك من هذا المنصب، وطبعاً لم يعمل سيد هارون بنصيحتي وقبل بالإعلام وهذا شأنه. والآن يتكرر ما حدث من قبل وفي حكومة القاعدة العريضة، وعندما اكتشفوا بأنهم قد اسندوا وزارة مهمة مثل وزارة التربية لوزير لا ينتمي لهم، وقد أثبت نجاحه فيها، وبالنسبة لهم فهذه كارثة لابد من معالجتها ووجهوا سهامهم نحو يحيى مكوار، وتآمروا عليه بكثرة الشكوى منه، ورفع أصوات التحريض ضده، ولكن كيف يحدث الخلاص؟ وأقول إن الظروف دائماً تخدم جماعة المؤتمر الوطني لتثبت أقدامهم وتحقق رغباتهم، وقد جاءت أحداث الأزمة الاقتصادية ورفع الدعم عن المحروقات وضرورة تقليص الحكومة، قد كان هذا في مصلحتهم وكانت فرصة للتخلص من دكتور يحيى مكوار، وتم إبعاده من وزارة التربية وأسند له أعباء وزارة هامشية لا يستطيع عبرها تقديم خدمة جماهيرية، أو قضاء حاجات لطلبة أو معلمين، ولكنه قرار غير موفق، بل ومعيب في حق المؤتمر الوطني، ولكنه ليس بغريب على ما نعلمه عنهم، ولكن الغريب حقاً بأننا في الاتحادي الديمقراطي لا نستفيد من التجارب، ونستهين بأنفسنا ونقلل من واقعنا كحزب له تاريخه وله جماهيره، ونرضى بما يفرضه علينا المؤتمر الوطني، حتى ولو يساوينا بقسمته الظالمة مع أحزاب الفكة التي لا وجود لها ولا جماهير معها، ويضعنا معهم في مرتبة واحدة بل أقل، ويفرض علينا وظائف هامشية وديكتاتورية لا تخدم جماهيرنا، ومع هذا نرضى طائعين وما يدهشني كيف قبل دكتور مكوار إبعاده من وزارة التربية إلى وزارة السياحة، واني أعلم بأن دكتور مكوار ليس كغيره من المحتاجين للوزارة أو مخصصاتها، وقد قال لي أحدهم من المنتمين لنقابة المعلمين من المؤتمر الوطني، قال نعم نحن من أقصينا وأبعدنا يحيى مكوار من وزارة التربية!! والآن لست حزيناً على يحيى مكوار وحده، ولا على الحزب الاتحادي، بل أني حزين على الوطن باكمله بأن يأتيه زمان يطول وتطول معه المأساة، ويكون ولاة الأمر فيه هم أعداء للنجاح إذا لم يأتِ من المحسوبين لهم.. وفي الختام أقول بأني لا أعرف من جاء بديلاً ليحيى مكوار في وزارة التربية، ولربما يكون أنجح واكفأ منه ومرحباً به، ولكن الذي استنكرته لأن الذي تم ابعاده لأنه قد نجح، وكيف ينجح وزير اتحادي وحزب المؤتمر الوطني على قيد الحياة؟ والذي أردت أن أؤكده بأننا كنا ضد المشاركة، ونحن على حق لأن الأسباب لا زالت أمام أعيننا تتكرر، ولكننا نرضى بقضاء الله وقدره، ونناشد أهل المؤتمر الوطني ومن أجل هذا الوطن المنكوب، وتقديراً لمواقف مولانا السيد محمد عثمان الميرغني التي نجلها ونحترمها نطالبهم ألا يكثروا من الاستهانة بهذه المواقف الوطنية العظيمة، وحتى الأمس فهو يكرر بأنه يستبعد انسحاب حزبه من الحكومة، وهو قد قال يستبعد ولم يقل لن ينسحب، وأقول لكم وأكرر أحذروا غضبة الحليم، والويل لكم إذا غضب مولانا.. اللهم قد بلغت فاشهد.