لا أدري لماذا تدار الأمور بهذه الطريقة القديمة المعروفة والتي فقدت صلاحيتها تماماً، بعد أن أصبحت الحياة مادية كاملة الدسم، والحياة المادية لا تحتمل العشوائية والفهلوة.. الحياة المادية محسوبة وكل شيء موقع فيها في منظومة معقدة، لا تقبل التعامل الشخصي غير الموضوعي، هذه الطريقة هي كسب الوقت وجرجرة الأرجل foot draggin تحدثنا كثيراً عن التعامل الموضوعي objevtive في إدارة الدولة -اي دولة- والابتعاد عن التعامل الشخصي subjective لأن التعامل الشخصي يمكن أن يدار به كنتين، سيارة أجرة، مكتب محاماة، عيادة طبيب، ورشة مهندس، أو مدرسة خاصة، لأن الخطأ فيه أو التمادي في الخطأ أو العناد، وعدم الرجوع الى الحق يرتد أثره فقط على مالك تلك المنشأة.. أما التعامل الموضوعي في إدارة الدولة يختلف إذ إن أثر الخطأ أو العناد أو النزوات الشخصية، يمتد ويتمدد ليشمل كل مواطني الدولة، ومعظمهم غير متوالين أو راضين عن نظامهم الحاكم، وأن في كل الدول ذات الأنظمة الشمولية أو حكم الفرد أو الحزب الواحد دائماً لا تتعدى المجموعة الحاكمة الخمسة في المائة من تعداد السكان، كما بينا وأثبتنا في مقال سابق، ذلك حسب نظريات الاحصاء في التوزيع الطبيعي للأشياء بمعنى أنه في السودان إذا كان تعداده ثلاثين مليون نسمة، فإن الموالين للنظام الحاكم المستعدين والجاهزين لحمايته والوقوف معه في الخطأ والصواب امتثالاً للانضباط التنظيمي لا يتعدى عددهم مليون وخمسمائة الف شخص، وبإعمال نفس النظرية الاحصائية على هؤلاء المليون ونصف كعينة احصائية، فإن المستعدين للدفاع والهجوم حد الموت أيضاً لا تتعدى نسبتهم 5% اي خمسة وسبعين الف شخص فقط. 90% من الشعب اي حوالي 27 مليون يتأثرون سلباً وإيجاباً في قبولهم بمن يحكمهم حسب متطلباتهم كبشر يسعى للعيش الكريم والمحافظة عليه وتحسينه باستمرار، وأن من هذه العينة الاحصائية ايضاً 5% هم الذين يحدثون تغييراً للأنظمة اي حوالي 1.350.000 شخص في حالة السودان. أقول هذه المقدمة وفي ذهني المثل الانجليزي الذي يقول «إن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي» وأقول إن ما حدث من تطور درامي غريب في المفاوضات في الاسبوع الماضي هو رجوع الى الحق، ظللت اكتب فيه لعدة اشهر ماضية ولا اسميه «انبطاح» هذه الكلمة القبيحة شكلاً ومضموناً. أقول الآن من نحاسب على كل دم أريق، ومال أهدر، وشظف في العيش تحقق، ومعاناة تكبر منذ أن انفصل الجنوب قبل عام واحد فقط.. لا يمكن أن يصدق اي شخص انهيار صرح من العيش الكريم، واستقرار في سعر العملة، وتوفر في السلع باسعار مقدور عليها، بواسطة الغالبية العظمى، وهي بهذا المعنى- الرفاهية- حسب العالم قاليري في تعريفه للرفاهية في تلك الفترة من 2005 الى 2011.. حيث استقر سعر صرف الدولار في اثنين جنيه، وهو أكبر مؤشر للاستقرار الاقتصادي.. أمر لا يمكن استيعابه أن ينهار صرح قوي بهذه السرعة. يعني لو أننا منحنا هذا الصرح لمقاول ليهدمه في عام واحد لما استطاع. في تقديري أن نحاسب القلة «التي رددتها كثيراً في مقالاتي السابقة» المتشددة التي أوصلتنا الى هذا الدرك، والآن نسير عائدين في نفس الطريق الذي رفضته هذه القلة، منطلقين من تعامل من فعل ورد فعل شخصي غير موضوعي.. هل من المنطق أو الإنسانية أن تصرح علناً بأن لا تمنح الجنوبي أو الجنوبية المريض أو المريضة حقنة، أو تكثر من التلميح في مناسبات عدة في لغة واضحة أنهم أقل درجة من باقي المواطنين، الذين تغلب عليهم السحنة العربية.. نحن اختلطنا بالعرب في جزء قليل من الوطن والمواطنين، ولكن الحقيقة اننا زنوج أكثر من أننا عرب- الشكل، اللون، الشعر- الشفاه الغليظة الا من قلة تأثرت أكثر بالعرب في اللون وباقي الصفات. أضعنا أكثر من شهرين بعد قرار الأممالمتحدة 2046 في ماذا نبدأ وبتسلسل غير منطقي يشابه في هندسة الكهرباء التوصيل بالتوالي in serier مثل توصيل حبل لمبات زينة خطأ على التوالي، إذا انطفأت أو كسرت واحدة انطفأ كل حبل الزينة، لكن التوصيل الصحيح بالتوازي paralell اي أن التيار الكهربائي يسري في كل لمبة وفي وقت واحد، ولا يؤثر خروج اي لمبة وفي وقت واحد، ولا يؤثر خروج اي لمبة لاي سبب في استمرار الحبل مضيئاً.. أضعنا شهرين في الترتيبات الأمنية ولم نصل الى حل، وكان لولا تعنت تلك القلة أن نصل في الوقت نفسه الى حل مسألة البترول، وقطاع الشمال في الحركة الشعبية، وبقية متطلبات القرار 2046 نفس الاختراق الذي حدث في مفاوضات البترول قبل يومين، كان يمكن أن يحدث قبل شهرين إذا لم نستمع الى المتشدديين وربطهم للمسائل وحلها حسب عقد نضديد بالتوالي غير المنطقي. الوفد الجديد الإضافي برئاسة د. كمال عبيد ما هو إلا إعادة الى التفاوض المباشر مع عقار وعرمان كما جاء في الاتفاق المجهض. الاتفاق الاطاري الموقع في 28/6/2011 رفضناه قبل عام بالباب عاد الينا بالشباك، أكثر قوة إذ إنه هذه المرة مدعوم بقرار أممي هو القرار 2046 مع كل احترامي وتقديري للأخ د. كمال عبيد، فإن من اختاره لهذه المهمة جانبه التوفيق لأن الأخ د. كمال عبيد من أكثر الناس تشدداً في مسألة الجنوب والجنوبيين، والحركة الشعبية، ولا يطيقهم ولا يطيقونه. فماذا يتوقع من اختاره لهذه المهمة؟ لن ينجح في مواجهة عقار وعرمان واستفزازهم المحسوب بدقة لكل من يريدونه، أن يخرج من الشبكة والنص لتخصم منه نقطة تضاف اليهم. هل يعلم الاخوة الأعزاء الكرام أن مرجعية التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال التي يفترض أن تكون بدأت قبل ثلاثة أيام هي الاتفاق الاطاري يوم 28/6/2011 والذي قلنا في حينها إنه متوازن وسوف يأتي اليوم الذي نعود إليه مجبرين لا أبطال، بعد أن وقعناه أبطالاً غير مجبرين.