احتجت الأستاذة منى أبوزيد على اختزال دور الفنانة «حواء الطقطاقة» والاكتفاء بعرض أغانيها وحكاية طرائفها.. دون الالتفات إلى مواقفها «تظاهرت ضد الاستعمار.. تمردت على الإنجليز.. سجنت.. نفيت.. فقدت أسنانها.. ضربت بالرصاص.. ومع ذلك شهدت الجلاء».. وتضيف منى «بقيت فينا تلك «الغناية» التي تسرد حكايات الوطن ويلبسها الإعلام أثواب الطرائف دون أن يأخذ حضورها التاريخي يوماً مأخذ الجد».. الأستاذة منى مُحقة في نقدها هذا إلى حد كبير.. واتخذت من برنامج «بنات حواء» الذي يعاد الآن في قناة «قون» منطلقاً لوجهة نظرها هذه.. فغالباً ماتكون فكرة البرنامج فطيرة.. مع ولع المذيعين والمذيعات بحكاية الطرائف.. وتوصيتهم للضيوف بأن تكون المادة خفيفة.. إلا أنني شاركت في حلقة قدمتها قناة النيل الأزرق عبر الإعلامية الموفقه «نسرين النمر» مع الفنانة حواء الطقطاقه وشقيقها وقد ربطتني علاقة الجيرة بالطقطاقه فقد كانت تسكن بجوار منزل جدي لأمي بحي الاسبتاليه بأمدرمان المتاخم لمنطقة الشهداء.. ومذ كنا أطفالاً كنا نعرفها لكني أزعم أن الحلقة لم تكتف بتقديمها كمغنية فقط بل قدمت أدوارها النضالية وغنت أغنياتها السياسية خاصة التي تمجد الزعيم الأزهري كما حكت عن أصرارها للمشاركة مع الوفود التي تمثل السودان في زيارة مصر ب«حقها» متحدية محاولات الإقصاء والاستبعاد لها.. واعتقد أن الحلقة جاءت مميزة جداً.. وربما كانت استثناءً بالنسبة لما ذكرته منى أبوزيد.. حقيقة في حلقات «بنات حواء» لم تقدم «حواء» بقدر ماقدمت فنانات الغناء بالدلوكه وحتى ثوبها المميز «علم السودان القديم» خلعوه عنها إلا في بضع حلقات.. فبدت كئيبة بثيابها البسيطة مع تنافس المغنيات في لبس الثياب الفارهة التي شاركت فيها مقدمة البرنامج مع استعراض نقوش الحناء الباهرة.. ومع الشعار الغنائي الدَليك.. ومنافسة المغنيات لها بدت الطقطاقة «كومبارس» في معظم الحلقات تائهة لا تدري ماذا تفعل.. مع إقحام ضيفات من نجمات المجتمع غردن خارج السرب وبلا موضوع محدد.. لم يقدم البرنامج حواء الطقطاقه بقدر ماقدم «حرم وإنصاف وحنان وفهيمة المقحمة هي أيضاً فيما لاناقة لها فيه ولا جمل..» حقيقة ليست حواء وحدها التي تختزل في الغناء والطرائف.. حتى كبار الفنانين يستضافون كمغنين فقط «وردي.. كابلي.. محمد الأمين» لاتقدم تجاربهم ونضالاتهم يغنون ويختزل الحكي في الطرائف والنوادر والمواقف البسيطة.. أليس غريباً أن لايتحدث وردي عن سنوات سجنه.. واغترابه وعذاباته السياسية. أليس غريباً أن لايحكي كابلي عن رأيه وتطويره لأدواته بحيث أصبح دون دراسة أكاديمية منتظمة باحثاً عظيماً في التراث والتاريخ الفني.. وحتى في الحلقات الأخيره والجيده في التوثيق التي قدمتها قناة الشروق لمحمد الأمين وتجربته ثرة وكفاحاته مشهود لها.. امتاز الإعداد فقدم حلقة كان ضيفها الأستاذ كامل عبدالماجد.. الذي تغزل في الفنان محمد الأمين وقرأ قصيدة أعجب بها محمد الأمين فقال الشاعر إن هذه شهادة أثلجت صدره ولا أدري لماذا؟.. وذائقة الفنان محمد الأمين في اختيار الأشعار ضعيفة فقد قدم أسوأ النصوص في الشكل والمضمون «مثل مسيحيه.. ويامعاين من الشباك» وبعض أغنياته الأخيرة.. بجانب تساؤلنا مادخل كل هذا بالتوثيق لمحمد الأمين..؟ أما حواء الطقطاقة.. فقد حكت عن تجاربها في عدد من البرامج.. فإن أرادت منى أبوزيد الوفاء لها وتصحيح مسار تقديمها يمكنها وهي صاحبة قلم سيال أن توثق لها عبر فكرتها التي طرحتها.. بذلك تضئ «حضورها التاريخي» الذي افتقدته النخب التي تقدمها.. حقيقة نحن لانحتفي برموزنا لا الثقافية ولا الفنية ولا حتى السياسية .. ويذكر أن مذيعة كان ضيفاً على برنامجها الراحل المقيم دكتور أحمد عبدالعال.. ويبدو أنها لم تطلع على الإعداد فسألته قبل بداية تسجيل الحلقه: اسم الكريم منو؟ فما كان منه إلا مغادرة الاستديو!