تناول خطيب الجمعة في مسجدنا الذي نداوم على الصلاة فيه بإحدى حارات الثورة، يوم أمس، تناول قضية كبيرة - في رأيي - وخطيرة، هي قضية المرأة ونجاح الغرب وأصحاب الأجندة الخاصة بمحاربة الإسلام في (إخراجها) مما أرادها له الله سبحانه وتعالى، ونجاح الغرب أيضاً في (نزع) أثواب التُقى منّا أجمعين فاتبعنا خطوات الشياطين وابتعدنا عن طريق الله. تناول الإمام الجانب الأخطر في القضية، عندما قال إن الغرب وأصحاب نظريات (الاستنارة) والتحضر أبعدوا المرأة عن دورها الأساسي في التربية وحفظ الأسرة، لتخرج إلى الطرقات والأسواق والأعمال دون مراعاة لطبيعتها الخاصة، ودون مراعاة للشرع.. وقال إن أولئك الذين يقودون عمليات التحولات الفكرية والعقائدية، إنما يحاربوننا بنسائنا، وقص على المصلين قصة سيدنا موسى عليه السلام وبني إسرائيل عندما أراد أن يدخل بهم إلى أرض الميعاد، وبعد أن جيّشهم وجهزهم وأحسن تربيتهم وتنظيمهم قام أعداؤهم بإرسال عدد من النساء العاريات إلى ذلك الجيش، منهن من ادعت أنها إنما جاءت لتبيع (إبرة) ومنهن من زعمت أنها إنما جاءت لتبيع شيئاً ما.. وهكذا.. فافتتن جند بن إسرائيل بذلك وتقاعسوا عن الحرب، لذلك حذر الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مما افتتن به بنو إسرائيل. بعد الخطبة القصيرة، دارت في ذهني أفكار وذكريات ومعلومات، وقد طاف بذهني طيف أستاذ لطيف درسنا اللغة العربية في مدرسة أم درمان الأهلية الثانوية، كان شاباً صغيراً متحمساً حسن المظهر، عظيم الأثر على سامعيه، اسمه (الطاهر) وقد نسيت اسم والده الآن، وكان من خريجي الجامعات المصرية ودرس فيها اللغة العبرية إلى جانب العربية حسبما قال لنا، وكان يقدّم لنا مقارنات بين المفردات المشتركة في اللغتين، وقد كنت - ولم أزل - من أصحاب الاهتمامات باللغات، لذلك وجدتُ أنني حفظت الكثير مما قاله لنا، وبحثت فيه لاحقاً، وأخذت اجتهد في المقارنات، ونقلت ذلك بعد سنوات إلى العالم الجليل الأستاذ الراحل إسحق محمد الخليفة شريف - رحمه الله - فأفادني أكثر، بل ذهب أبعد من ذلك بأن أكد لي أن (أصل) اللغات (واحد)، وقدّم لي نماذج مازلت أحفظها حتى يومنا هذا. اهتماماتي بما كان يقوله أستاذنا الطاهر، جعلتني اتجه إلى الاطلاع على (التوراة) أو (العهد القديم) بالنسبة للمسيحيين إذ تبعه (العهد الجديد) الذي هو (الإنجيل)، وقد دهشت لمكانة المرأة عند اليهود، وتيقنت بأنهم وراء (التحولات) التي قادت إلى ما قادت إليه اليوم، من خلال وسائل عديدة أهمها (السينما) و(وسائل الإعلام) المختلفة والصحافة خاصة في جوانب التأثير العقلي الذي يقود للتحولات الفكرية. واليهودية - كما هو معروف - هي دين (التوراة)، ولكن قراءة اليهود لها تختلف عن قراءة المسيحيين لها (العهد القديم)، فهم يقرأونها بعيون (التلمود) أو من خلال التأويل التلمودي لها، وهو - أي التلمود - يمثل الشريعة القانونية التي يستمد منها رجال الدين (الحاخامات) التعاليم، ويتكون التلمود من ستة كتب يتحدث كل منها عن موضوع معين ويتكون من عدة أجزاء، مثل كتاب (زرعيم) الذي يتخصص في الزراعة وغيره، لكن هناك كتاباً يسمى (تهاروت) أي (الطهارة) ويتكون من اثني عشر جزءاً متصلة بالطاهرة وكل ما يسبب النجاسة لليهودي وأول ذلك (إشا) أو (المرأة).. واليهودي يقول في صلاته المعروفة باسم (شخاريت) أو (الشكر) كل صباح، يقول: (شكراً لله الذي لم يجعل مني غير يهودي، شكراً لله أنه لم يخلقني امرأة)، وهو ما جعل البعض يقول إن اليهود حرّفوا (التوراة) الأصلية لتصبح اليهودية (ديناً رجالياً) خالصاً، لأن المرأة حتى في التلمود محتقرة وتوصف بأسوأ الصفات وتقارن بالحيوانات. الآن وبعيداً عن (التوراة) و(الثورات) نرى أن نشاهد ونرى ونسمع (كيف) تحولت المرأة إلى (سلعة) ونموذج (عرض) و(إغراء) في أغلفة المجلات وشاشات السينما والتلفزيون و(تعرّي) صوتها عبر الأثير (معطراً).. وأصبحت أجهزة إعلامنا تهتم ب(القشور) و(البثور) بعيداً عن (الأصل) الذي أراده الله لخلقه.