دوامة الخلافات تعود من جديد داخل حزب الأمة.. وهذه المرة الخروج عن الاتفاق والإجماع لم يكن بيد أحد الأعضاء لكن بيد رئيس الحزب وإمام الأنصار السيد الصادق المهدي.. الذي صوب كل الأعين تجاهه عقب قراره بتعيين الفريق صديق إسماعيل نائباً له دون مراعاة لمؤسسة الحزب بحسب دكتور آدم موسى مادبو القيادي بالحزب.. حلقات الخلاف أمسكت برقاب بعضها بعد الإجماع على تعيين دكتور إبراهيم الأمين أميناً عاماً للحزب.. البعض يرى أن الصادق المهدي أراد بذلك المحافظة على موازنات الحزب.. دكتور مادبو هو الآخر طالب الأمين العام بالتمسك بقائمة ترشيحاته أو الاستقالة لكسر هيمنة آل المهدي على قرارات الحزب.. وانتقد مادبو خلال حوار مطول مع «آخر لحظة» نهج المهدي في إدارة أمور الحزب وطالب بضرورة إعطاء الفرص للعناصر الشابة في قيادة الحزب والعمل وفق الأسس الديمقراطية وخروجاً عن المألوف بحسب إفادات دكتور موسى مادبو.. المزيد حول خلافات حزب الأمة في تفاصيل هذا الحوار: ماهو تعليقكم حول المفاوضات التي انفضت باديس أبابا بين السودان ودولة جنوب السودان؟ - أولاً دعنا نتحدث بصراحة خاصة في مثل هذه القضايا المفصلية، ولابد من الوقوف خلف انجاح المفاوضات لعدة أسباب، على رأسها قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم (2046) ، وما يترتب عليه من آثار، ربما لن تكون في صالح السودان، مالم نتعامل مع القرار بشيء من الذكاء، وعدم تطبيقه قد يؤدي إلى فرض قرار الفصل السابع وجر السودان للأسفل.. ونجاح المفاوضات من شأنه أن يوقف المواجهات المسلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وإن لم يكن هناك فرض ووجود للأمن لم تكن هناك تنمية.. أما القضايا الأخرى ربما هي أقل وطأة وتأثيراً مثل الاتفاق على البترول..أما مسائل الحدود فهي ذات أهمية، واعتقد أن وفدي التفاوض من جانب الحكومة ونظيرتها في دولة الجنوب، لم يذهبا إلى اديس أبابا إلا وفي قرارة نفسيهما ألاَّ يبديا أي تنازل في موقفيهما... مقاطعاً.. لكن يا دكتور ظل السودان يتنازل كثيراً وفي سبيل السلام والاستقرار ضحى بالوحدة..؟ - السودان ارتكب جرماً كبيراً بفصل الجنوب حيث منحه 30 في المائة من أرضنا، واعتبر هذا «جريمة العصر»، ويقع هذا ضمن مسؤولية الإنقاذ.. وفي تقديري الشخصي لابد من تحكيم القضايا الخلافية الآن، والموافقة على الالتزام بقرارات التحكيم من مجلس الأمن. ألم يكتوي السودان بنار قرارات الكيل بمكيالين..؟ - لا خلاف على هذا، لكن من الأفضل استعراض الأمور الخلافية والتعجيل بحلها، والاستفادة من عامل الزمن، وعدم إطالة أمد المفاوضات.. وإذا كان مثلاً هناك عشر نقاط خلافية ليس من الصواب حلها بطريقة (حل الخلافات لصالح الجنوب أو الشمال)، لكن يمكن تقييم نتائج الحل مثلاً خمسة إلى خمسة وهذا مثال.. والأهم من ذلك، ولكي تضمن الحكومة سنداً شعبياً في نتائج المفاوضات، أن لا تقوم بمثل ما فعلته في «نيفاشا»، وعليها اشراك قوى المعارضة في المفاوضات والاتفاقيات. كيف ترى امكانية اشراك قوى المعارضة في مثل هذه المفاوضات أليست هي ممثلة في الحكومة..؟ - نعم ليس هناك إشكال لأن أحزاباً سياسية كثيرة مشاركة في الحكومة.. لكن هناك أحزاب غير ممثلة مثل حزب الأمة والمؤتمر الشعبي يمكن أن يشتركا بأشخاصٍ في المفاوضات.. ونتائج المفاوضات تكون ملزمة لأهل السودان.. دون دمغ الحكومة بأنها فعلت وحدها كذا وقصرت في كذا.. ليس هناك خيار للمفاوضات دون اشراك الآخرين، وهناك نقطة أخرى مهمة في رأيي الشخصي إذا كانت الحكومة ونظيرتها في الجنوب استأنفتا مفاوضات أديس أبابا بالحريات الأربع، لكان خيراً لهما، وفق الاتفاق الأخير حولهما تمهيداً لحل بقية الخلافات، بشرط التزام الدولتين بمسألة الحريات الأربع، واعتقد أنه لابد من تضمينها في أجندة المفاوضات القادمة. لكن مسألة الحريات الأربع لابد لها من وجود أرضية مستقرة في العلاقات، على الأقل أن تكون هناك ثقة في نوايا حكومة الجنوب في مسألة السلام..؟ - دائماً نقول إن أي بلد تنطلق في بناء علاقاتها وفق مصالحها وتراعي ذلك جيداً، لابد للسودان أن يراعي مصالحه كما هو الحال لاسرائيل وأمريكا.. الآن الجنوب في بناء علاقاته مع الآخرين ينطلق وفق مصالحه.. لذلك من الضروري أن يعرف السودان في أي اتجاه يسير في مسألة بناء العلاقات- والحديث هنا مع دولة الجنوب- بعض الدول تضع السودان ضمن الدول المعادية لها كإسرائيل، ونحن لا ننتظر منها خيراً، وهي تعمل لتأجيج الصراع وعدم الاستقرار في السودان. ومن هذا المنطلق لابد من حلحلة القضايا العالقة وتفويت الفرص التي تريد تقزيم السودان.. يا دكتور.. إسرائيل لا تريد استقراراً للسودان ضمن أجندتها.. بمعنى لا يمكن أن تتوافق مصالح السودان مع مصالحها كالدول التي لها علاقات معها؟. - نعم إسرائيل لها علاقات دبلوماسية مع عدد من الدول وفق المصالح التي تربطها، ونحن في حزب الأمة نرى أنه لابد من إحقاق الحق للإخوة الفلسطينيين، وهناك البحث حول كيفية أن يأخذ الفلسطينيون حقوقهم المشروعة.. ولابد من المرونة في تغليب المصالح.. نريد أن نعرف رؤيتكم حول مسألة رفع الدولة دعمها عن المحروقات..؟ - هذا القرار خطير وضار بالمساكين من أهل السودان، أما المقتدرون فلا ضرر واقع عليهم.. أنا كوزير للطاقة سابق لم تقم الحكومة بوضع احصائيات دقيقة للتكلفة الحالية لاستهلاك البترول، هل هو أقل أم أعلى من سعر الصرف على انتاجه وتصديره مثلاً، ووضع الملاحظات وفق النتائج المترتبة على جدوى التكلفة الاستهلاكية، ومقارنتها مع الإنتاج والاستيراد. أنا أرى أن الحكومة تخسر في البترول، يعني تكلفة البترول الموجود أقل من الربح المحقق، والفيصل في ذلك الاستعانة باختصاصيين في المجال والسماع منهم.. البترول لوزاد زادت أعباء الحياة، منها المواصلات- سعر السكر- وأي مواد أخرى منقولة.. حتى أن زيادة المرتبات لا تحل المعضلة.. كيف يمكن تعويض ذلك لحماية الاقتصاد السوداني...؟ - أهم خطوة هي وقف الحروب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وحل الخلافات مع الجارة جنوب السودان، لأننا نعلم نتائج عدم الاستقرار والأمن، بمعنى إذا كان هناك استقرار وأمن كانت هناك تنمية.. الشيء الآخر هو العودة لنظام الاقاليم الستة لتقليل الصرف بصورة كبيرة.. وبهذا يمكن توفير العائدات بشكل أفضل... مقاطعاً.. لكن النظام الحالي يراعي قضية توزيع السلطة بشكل أفضل...؟ - برأي هذا خطأ لابد من معالجته، طالما أنا أريد توفير وتقليل الصرف للمحافظة على المال.. المسألة الأخرى ندعو لضرورة القضاء على الرشوة والفساد.. ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، واختيار المؤهلين والمخلصين لوضع السياسات الاقتصادية.. وحتى هذه اللحظة الناس في لغط هل تعويم الدولار خطوة صحيحة أم خاطئة؟ وأهم من ذلك تقليل عدد الدستوريين، وخفض الامتيازات سيكون له مردود إيجابي لصالح قضايا الخدمات والتنمية.. كما أدعو لتفعيل قانون (من أين لك هذا...؟)، ولكننا حريصون على الحفاظ على اقتصاد السودان ومواجهة الظروف السياسية المعقدة، وقبل كل شيء وقف العدائيات مع الجنوب، وإحداث حكومة «رشيقة قومية» حزبان أو ثلاثة أحزاب فقط إذا دخلت الحكومة أصبحت الحكومة قومية، ويمكنها معالجة أي خطأ.. هل خلافاتكم داخل الحزب تخدم المصلحة العامة وبدلاً من الاهتمام بالخلافات أليست أحزابكم معنية باستقرار السودان؟ - تاريخياً للأحزاب دور متعاظم في القضايا الوطنية في السودان، إلا أننا مبتلون بحكومات تأتي عبر انقلابات.. لكن الآن ليست هناك خلافات في كل الأحزاب.. حزب الأمة نظم (8) مؤتمرات، بينما حزب الاتحادي هو شبه شمولي لم يعقد مؤتمراً واحداً.. لذا يجب التفريق في ديمقراطيات الأحزاب، والاختلاف في وجهات النظر داخل الحزب أمر لابد منه.. افتكر الانقلابات الكثيرة التي حدثت في تاريخ السودان لم تعط الأحزاب فرصة لتنظيم نفسها، وعليها تقديم برامجها وتتنافس على ذلك بالحسنى، ولابد من استصحاب دور السودان تاريخياً، حيث كان رائداً في حل المشاكل منها مشكلة مصر والسعودية.. والأحزاب السودانية أحزاب لها فكر، إذن لابد من مراجعة كل الأمور.