يتأثر المكان من حيث هو .. بحالة الأشخاص الذين يعيشون فيه .. فبالرغم من غابات الأسمنت ... وأطنان الزجاج.. والعمارات الشاهقة...إلا أن العصافير تهجر النوافذ ... وتخرص أصوات الباعة الجائلين ... وتنهزم النوارس حيث لا ساحل ... تنام المدن وتغفو على إيقاع الرتابة والضجر ... على صوت الاختلاس والاحتيال ... وسرقة الاماني من أسفل الأدراج الموصدة ...! تصحو مدينتي كل يوم على صوت أزيز الطائرات التي تحمل الضمائر المهاجرة في رحلة اللاعودة الى تخوم المدى وشواطئ العدم...! الأغنياء في حركة دؤوب لزيادة أرصدتهم والفقراء يكدسون المفردات ويحتكرونها ... وجعاً ... وحرماناً ... والمدن تكتسي مزيداً من الرماد من أفاعيل البشر وإلقاء ذنوبهم على حوائطها الملونة ... مدينتي لم تعد تقوى على السهر ... تطفئ كل أنوارها ... قبل العاشرة وتعلن الركود ... الأسواق تنشر ثوب حدادها الأسود ... والحانات تغلق دون الارتياد أبوابها ... بعدما مات الفرح .. واندحرت البركة ... وولى الزمن الجميل ... شاخت العواصم، وهي ما تزال بعد فتيةٌ ... وفاض نيلها حتى حدود اللامعقول ... وطمر ما تبقى من إخضرار إحتجاجاً (على ضيق ملابس الفتيات) وجراءة الحب ... وزيادة رقعة الخيانة ... وموت الشرف...بأثمان بخسه لا تعدل حزمه جرجير ...! حزينه هى المدينه لأن رواد ليلها أطفال لا يعرفون معنى الطفولة، عقولهم غائبة لتنسى مرارة الواقع وتصارع من أجل المستحيل ... وتنام أسفل الأعمدة المطفأة السراج ... وداخل خيران ... لتطمر أحزانها وتتناسل غير عابئة بمزيد من اللقطاء ... على ضفة الأزرق يتكوم (كازينو النيل الأزرق) أطلالاً بالية ... بعد أن كانت زجاجات أفراحه تدور وسط الموائد ... وتغازل أشجاره الضفاف ... حزينة المدائن ... لأن الأموال التي تصرف لأشراقها تذهب من حيث أتت بأهمال البشر واللامبالاة وتعود تحكي ... ذبول النُّوار ... وعودة الزهور داخل أكمامها تأبى الفوح ... وتدخر الألوان ..! زاوية أخيرة: المدن لا تحتاج (لمكياج مثير) لتبدو جاذبة بل لنفوس طاهرة وغيرة على ممتلكاتها حتى ولو كانت حجارة صماء ... للمدن إحساس يا سادة ..!!