لكل منطقة بالسودان ميزة، ولكن منطقة نوري بمحلية مروي لها ميزات خاصة.. أنها منطقة لا تشبهها المناطق الأخرى، فهي قطعة من الخضرة والجمال والروعة.. وبعد غياب طويل منها ساقتني الظروف لها هذا الاسبوع بدعوة كريمة من أحد أبناء الأسر الشهيرة هناك، وهو الأخ سيد أحمد أبو نجمة.. وقد أعادت لي هذه الزيارة الكثير من الذكريات، فقد تذكرت منزلهم العامر، وقد كنا نزوره مع زميلنا في الدراسة الثانوية آنذاك محمد عثمان أبو نجمة الطبيب البارع الآن بالمملكة العربية السعودية، وقد كان من المميزين أكاديمياً بالمدرسة.. وقد كان ذلك قبل أكثر من ثلاثين عاماً بكثير أيام الدراسة بمروي الثانوية العريقة.. وعند مشاهدتي لدارهم العامرة هذا الاسبوع فوجئت أنها لم تتغير كثيراً رغم تقادم الزمن وفيضانات المواسم.. إن «المضيفة» هي ذاتها من نوع دواوين البيوتات الكبيرة التي شيدت قبل عشرات السنين. أما نوري نفسها فهي الآن شيء آخر.. رغم احتفاظها بميزاتها الطبعيية.. فما زالت أشجار المانجو تتدلى بثمارها على الطرقات، ومازال نخيلها يتمايل طرباً مع نغمات أهلها الطيبين، ومازالت قنوات المياه تشق أرجاءها في كل اتجاه ممتلئة بالمياه العذبة، ولكن مع ذلك فإن مظاهر الحضارة قد اختلطت بهذه العناصر الطبيعية فكونت لوحة رائعة .. مزيجاً من الواقع الملموس مع اللمسات الجديدة.. فجاءت نوري كلوحة جاذبة بألوانها وخطوطها المتقاطعة.. فقد تخللت أرجاءها شوارع الأسفلت التي تسير بمحاذاة قنوات المياه وسط الجنائن والمزارع، فما أروع الأسفلت وسط ذلك المشهد.. وقد كانت هذه الطرقات في السابق ترابية تنبعث منها سحب الغبار فيغطي المارة من راجلين وراكبين.. ولكن الآن أصبح الأمر مختلفاً.. حتى التي لم يصلها الأسفلت قويت بالخرصانة بردميات ناعمة.. ومشهد فريد آخر هو الثريات الكهربائية داخل وخارج المنازل، والتي ينبعث منها نورها منعكساً على قنوات المياه، وعلى المزارع، وأشجار النخيل، فيخيل للمشاهد أنه وسط حديقة صناعية كبيرة، لقد شاهدت في زيارتي هذه المنشآت الجديدة التي أضيفت فكان نادي ترهاقا، ونادي نوري الإجتماعي، ونادي نوري الزراعي، وهي أندية عامرة يرتادها السكان بشكل كثيف، وقد علمت أن منظمة «بنجد» وهي تنظيم يشمل كل قرى المنطقة قد ساهمت في إنشاء هذه المنشآت، وهذه المنظمة برعاية سعادة الفريق صلاح قوش، لقد ضم نادي نوري الزراعي وهو مرتبط بمشروع نوري الحكومي الزراعي أحد المشاريع الحكومية الرائدة بالولاية الشمالية.. ضم هذا النادي قاعة أنيقة للاجتماعات.. أطلق عليها اسم المرحوم «العمده كنيش» وهو أحد أعمدة نوري البلل.. وقد ظل رئيساً للمشروع لفترة طويلة، وبمناسبة ذكر الأسماء فإن هذه المنطقة غنية بالبيوتات الدينية.. ففيها العراقاب والناطقاب والحواجنير والكوارير ومنهم شيخ أحمد الكاروري، بجانب العديد من الشخصيات التي لا يسع المجال لذكرها. إن نوري قد أصبحت الآن مرتبطة بالعاصمة عن طريق أساطيل من البصات السياحية الحديثة التي تحمل المسافرين منها، ودائماً ما تكون بصحبتهم هدايا المانجو للأهل والأصدقاء وأنواع من البلح المميز كذلك. إنها نوري التي يفضلها الناس، والتي قال فيها شاعرها القدير ود الدابي مخاطباً إحدى الأسر عندما تم نقلها من مشروع القرير الحكومي إلى مشروع نوري قائلاً.. تفضلي نوري يا التومه وبلدنا معاكي شن لوما إلى أن يقول: نوري الفيك ربوني تجوري عليّ وتخوني وتشيلي سوادة عيوني إن الشعراء في ذلك الوقت كانوا أحياناً يجِّدون وأحياناً يمزحون، وقطعاً ود الدابي في تلك القصيدة الطويلة كان مازحاً، ولكن خلاصة الأمر أن سوادة عيونه الإقامة بنوري.إنها نوري التي بدأت تأتيها الرحلات من كل أرجاء الولاية حتى مناطق دنقلا، بعد أن عبدت الطرق فأراد أهل تلك المناطق أن يأتوا إلى مشاهدة هذه المنطقة الأسطورية، ووجدوا منهم كل ترحيب في جنائنهم الواسعة وديارهم الرحبة. هنيئاً لأهل نوري بما هم فيه من خير ونعمة مع الدعاء لهم بأن يزيدهم الله من فضله ونعمته.