وفي الباب الثالث (من شعر الفكاهة والهزل) وردت قصيدة (الخمر والزعيم الروحي) والتي قال فيها.. في بيت زعيم ديني.. ضبط المشروب الروحي واستغرب ذلك أهل الحي.. وقالوا ما هذا إلا غي من وحي الشيطان السفلي.. قلت استمعوا يا قوم إليّ.. والشئ يذكرنا بالشئ أو ليس زعيماً روحياً؟.. والخمر شراب روحي! وعن (الصداع النصفي) الذي كان الشاعر يعاني منه قال: احتل النصف من الرأس.. وهوى بالمعول والفاس وانهال على جفني المضني.. ضرباً ليمزق إحساسي وانكب يدق بمعوله.. وبكل سلاح ذي بأس وإذا ما قلت له مهلاً.. كفكف آلامي ياقاسي امتدت ثورته ومضى.. في البطش ليخمد أنفاسي إلى أن ينتهي بقوله ورؤوس الناس(مصدعة).. بمشاكل فوق المقياس فعلام تصدع بنياناً.. قد صار رهين الأرماس ومن أطرف القصائد كتب في (ديوان بلا عنوان) قصيدة مرض (الكُرتي) وهي القصيدة التي مزج فيها الشاعر اللغة العربية بالنوبية.. و (الكُرتي) تعني ( الركبة)، والمقصود هنا مرض المفاصل أو ما يعرف ب (الرطوبة)، حيث قال: بليت اليوم بالكُرتي وكنت الأمس (كالمرتي) (الكرتي- الركبة.. والمُرتي- الحصان) أجوب الأرض مختالاً صحيح الجسم و (الشورتي) (الشورتي- الروح) أمد خطاي في جذل وأرعاني الخلا (الأرتي) (البهائم) وبت اليوم معتلاً ومكتئباً و( شُكَّتي) (كثير الشكوى) حبيس الدار منفرداً فلا (تورتي) ولا (فلتي) (لا دخول ولا خروج) بعيداً عن أصيحابي فلا سمع ولا (منتي) (رؤية شوف) هزيلاً صرت لا أقوى على أن أعبر (المرتي) (الجدول) ويستمر الشاعر هازلاً في وصف حاله ذاكراً النصائح المتعددة والعلاجات التي تلقاها إذ قال: وأحياناً يجئ الناس من أهل و(اسكتي) (الغرباء) وكم جاءوا بحجَّام لداء قيل (أرتتي) (فساد الدم) وبالمسمار (تشويني) بنار جد (جو قرتي) (حراقة) إلى أن ينتهي بزيارة الجرَّاح والتي لم تفد أيضاً حيث قال: أخيراً رحت للجراح كي ألقاه أوفتَّي (أكذوبة إشاعة) فللمنظار عرَّضني وبخ خدر (المرتي) (الأطراف) فلم أظفر بفائدة وضاع المال في (الترتي) (رسوم الكشف والعلاج) فيا أسفي ويابؤسي فقدت المال و(الكرتي) (الركبة) وفي قصيدته المتينة (ليل الهوان) يتحسر شاعرنا على ما آل اليه حال الأمة العربية إذ قال: وتمر أزمان ونحن على المدى.. نسقى الهوان من العدو القاهر اجتاح موطننا ودنس قدسنا واغتال منا كل حر ثائر لم يبق في دار العروبة كلها.. إلا شتات من كفاح عابر لم يبق فيها غير كل مهاون.. رخو العزيمة جبان خائر إلى أن ينتهي في الجزء الأخير من القصيدة بقوله: وأنصر فلسطين النضال وأهلها طوبى لشعب ثائر ومثابر شهر السلاح لكي يحرر أرضه في وجه غاز غاشم ومغامر ولقد جاء الباب السابع من الديوان تحت عنوان ( شذرات في شتى الموضوعات) وهي قصائد قصيرة الخطوات، سريعة الإيقاع منها (الميني جوب) قالوا لنا هو خطوة نحو الحجاب فباركوه وباركو (البكيني) فالدرب مهما طال يبدأ بخطوة.. محسوبة في رأي أهل الصين قلنا لهم تباً لزي فاضح.. لا يرتضيه مناصر للدين شتان ما بين الحجاب وبينه.. شتان ما بين العلا والدون فهنا لباس للفضيلة والتقى.. وهناك زي خلاعة ومجون وينتهي شاعرنا الرصين في الباب التاسع (مسك الختام) بقصيدة (وقفة عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم) الروضة الشريفة.. والتي بدأها بقوله: عليك صلاة الله ياخير من هفت اليه البرايا من صنوف المشارب نبي حباه الله نوراً به اهتدى.. وأحرز بين الخلق أعلى المراتب مناقب عظمى ليس في الوسع حصرها.. فلست بمد فيها ولست بحاسب إلى أن ينتهي في الجزء الأخير الذي بدأه بقوله ألا يارسول الله قد صرت مترعاً من الذنب يضنيني ويثقل جانبي فكن لي شفيعاً ياحبيبي وملجأي إلى الرب كي يرضى بتوبة تائب ولا يسعني في الختام إلا أن أؤمن على دعاء المرحوم علي صالح داؤد وتوسله بالرسول (صلى الله عليه وسلم) وذلك بقول (آمين).