فلعلي حقاً لا أعرف من أين أبدأ وكيف أبدأ لاسيما أن الحديث عن عالم جليل قل أن يجود الزمان بمثله، وإن طال الأمد ، فقد عملت معه على ما يربو عقد من الزمان، فكأني آراني منذ أن ولدت وجدته أمامي،لم أرى رجل يضاهيه في كل شيء، أجل أنه كان أمة، ألا وهو العلامة العالم الشيخ أحمد علي الأمام الذي حفظ القرآن يافعاً فكان له نعم الزاد، وخيرالمتاع فأضحى القرآن لا يبرحه، ولا يفارقه في حله وترحاله، وهو في سيارته يتأمله ثم يتلوه قائماً وقاعداً ومتكئاً يرتله، فأذكر ذات مرة وفي إحدى جلسات المجلس الوطني صوَرته إحدى الصحف أثناء إنعقاد الجلسات، وهو يتأمل في المصحف الشريف بيده الكريمة، حيث سخروا منه، ولم يأبه بهم. الرجل كان ملاذاً للضعفاء بعد الله عز وجل، ونصيرًا للمساكين، بل ومنقذاً للمسحوقين فمكتبه وحلقات علمه وداره كانت تعج بالكثير منهم، فقد حباه الله تعالى بقضاء حوائج الناس، في كرم مترع دفاق وإنشراح لصدره في زمن أصبح البعض يهربون ويتضجرون من تقديم العون والخيرات للمساكين. فالشيخ لا أستطيع سرد ما يدور بخاطري، لأن الحديث ربما يطول ويطول ولكن في عجالة أقول أن الأمر الذي تفرد به عن غيره، ولقد تلمسناه وعايشناه معه في مجمع الفقة الاسلامي الذي كان فكرة تراوده منذ زمن بعيد، فبات اليوم واقعاً ماثلاً للجميع فهو مؤسسه الأول وراعيه، حتى أضحى صرحاً عظيماً فأذكر عندما يقبل الشيخ إلى المجمع هاشاً باشاً مبتسماً دوماً، يداعب هذا ويضاحك ذاك، ثم يهرول في شوق ليصافح أولئك من غير تمييز فعنده يتساوى المدير والخفير فلا غرابة إن قلت إن هذا المشهد المهيب يتكرر يومياًً وفي تلقائية مزدانة بالحب والتواضع، فلقد بادلوه الحب بالحب، والوفاء بالوفاء، ألم أقل لكم أن مثل هذا العالم لا يجود الزمان بمثله، وإن طال الأمد فالرجل لا يتسلل الغضب إلى نفسه إلا الغضب في الحق فحينها لا يخشى أحد، الشاهد على هذا قبل مرقده ببعض أشهر فقد طالع كلاماً في الصحف منسوباً لأحد القيادات، يحتوي على تهكم وسخرية بالشريعة الاسلامية، فغضب الشيخ فتغيرت ملامحه ثم أصدر بياناً شديد اللهجة ضد هذا الحديث تناقلته وسائل الاعلام، فبعد هذا البيان بردحٍ من الزمن تم إعفاء هذا القيادي حيث لا كبير على الشريعة الاسلامية، فالرجل مصادم في الحق فليس ببعيد على الأذهان قضية أحد رموز الشيعة في السودان وسب صحابة رسول الله، فقد تصدى له فضيلة الشيخ أحمد علي الإمام ومعه ثلة من الاخيار فتمت إستتابة الرجل بمجمع الفقة الاسلامي. الشيخ أحمد علي الإمام كان همه الأول والأخير القرآن الكريم حيث أسس أول جامعة في السودان للقرآن الكريم، وهو من مؤسسي مصحف أفريقيا فأصدر مؤلفات في تفسير القرآن الكريم منها، مفاتح فهم القرآن الكريم والذي سجل العديد من حلقاته في الإذاعة والتلفزيون، كل هذا يعتبر من العلم النافع الذي ينتفع به الآن، إضافة إلى المؤلفات العلمية الثرة. فبجانب تبحره في القرآن الكريم وعلومه نجده كاتباً بارعاً وصاحب أدب رفيع ويتجلى ذلك في كتابه «الخلوة والعودة الحلوة» حيث ينثر خواطر صادقة للذكريات النبيلة أيام الخلوة التي يعتبرها فضيلة الشيخ أخصب وأجمل أيام حياته. فكيف لا يحبها حيث كانت الساس والأساس التي شكلت هذا العالم المتفرد، فيكسوه أدب المشائخ، وحكمة العارفين، وتواضع العلماء، يتجلى هذا كله في ثوب قشيب يكسوه من أعلى رأسه متدلياً لأخمص قدميه، و قد عاش هذا العالم التقي النقي الورع زاهداً السلطة، وقد طالب مراراً وتكراراً إعفائه من منصب مستشار رئيس الجمهورية كتابةً وشفاهةً ولكن قيادة الدولة ظلت متمسكة به لأنها تعلم قدر هذا الرجل. فالشيخ الجليل قد قدم الكثير والوفير للبلاد فهو كان كمثل شجرة ظليلة أصلها ثابت وفرعها في السماء يتفيؤ ظلالها ويأكل ثمارها كل من يأتيها. ختاماً ينبغي على قيادة الدولة أن تخلد ذكرى هذا العالم العلامة بإنشاء مراكز علمية وبحثية بإسمه وجائزة علمية رفيعة للقرآن الكريم بإسمه وهذا أقل شيء في تقديري يمكن أن تقدمه الدولة لهذا العالم الذي نذر حياته وعلمه وجهده لخدمة الدِّين والوطن. مدير الإعلام والعلاقات العامة مجمع الفقه الإسلامي