قبل أيام شهد حي الشجرة حضوراً سياسياً كبيراً.. المناسبة كانت إطلاق سراح الناشطة جليلة خميس.. قاضي محكمة الخرطوم شمال اكتفى بالمدة التي قضتها جليلة في الحبس وأمر بإطلاق سراحها.. ليس المهم تفاصيل الحدث ولكن الأهم أن جهاز الأمن الوطني انصاع لأمر القضاء.. الخبر بدلالاته العظيمة غاب عن أجهزة الإعلام السودانية. من قبل وفي ندوة علنية أقسم المحامي غازي سليمان أنه قاد خمسة من منسوبي الأجهزة النظامية لحبل المشنقة.. غير مرة كانت الصحف تنشر باستحياء أن العدالة طالت عدداً من العسكريين.. في تقديري أن الحكومة السودانية تخسر كثيراً بتغييب تلك الأخبار التي تؤكد أن العدالة في بلادنا مازالت بخير. لفت نظري خبر مهم جاء بالأمس في الزميلة الانتباهة.. فحوى الخبر أن نيابة المال العام اعترضت على تسوية بين السلطة القضائية وأحد المدانيين باختلاس مبلغ مئتين وخمسة وعشرين ألف جنيه.. نيابة المال العام أكدت أنها القيّمة على المال العام وأن التسوية التي قسطت المبلغ إلى أربعين سنة غير موفقة.. بحسبان أن السلطة القضائية أصبحت الخصم والحكم في تلك القضية.. كما أن المدان سيتجاوز عمره المائة عام قبل أن يكمل سداد الأقساط. اتوقع أن يقبل رئيس القضاء الجديد الدفع الوجيه من نيابة المال العام..أنا شخصياً لدي تجربة مع رئيس القضاء تعضد هذه الثقة.. مكتب رئيس القضاء كان قد طلب قبل أيام معلومات إضافية عن قضية تناولتها في أحد أعمدتي وبها شبهات فساد. إحدى مشكلات الحكم في السودان منذ وقت بعيد أن يد الجهاز التنفيذي قابضة.. رئيس الكتلة البرلمانية غازي صلاح الدين صرح في فضائية الخرطوم أن نواب الحزب الحاكم دفعوا بمذكرة إصلاحية لرئيس الجمهورية ورئيس الحزب.. بالطبع أقصر الطرق للنواب أن يثيروا مسألتهم ورؤاهم من تحت قبة البرلمان.. ولكن غازي وغيره من النواب يدركون أنهم يجلسون في العربة الخلفية لقاطرة الإنقاذ. بصراحة الإصلاح يبدأ بتحقيق مبدأ توازن السلطات.. ليس في الحكومة وحدها بل داخل البنيان الحزبي.. مثلاً يختار المؤتمر العام رئيس الحزب فيما يتم إجازة الأمانة العامة المقترحة عبر جهاز منتخب من المؤتمر العام.. رئيس الدولة يختار شاغلي المناصب العامة ولكن تثبيتهم يتم عبر إحدى غرف البرلمان.. رئيس القضاء ينتخب من قضاة المحاكم العليا ويصدر قرار رئاسي باعتماد تعيينه. قبل سنوات كان على الرئيس الأمريكي بيل كلنتون أن يجيب بتهذيب شديد على أسئلة المحقق الخاص كنث ستار.. القاضي السابق أصدر تقريراً أن الرئيس الأمريكي كذب وتحرى الكذب في حادثة الفستان الأزرق مع المتدربة مونيكا ليونسكي.. اتهامات المحقق كادت أن تخلع الرئيس من منصبه وتحرمه من ممارسة المحاماة لخمس سنوات. أثبتت التجارب أن تناقض السلطات يحقق التوازن في المجتمع.. كل الحكومات التي ذهب ريحها كانت السلطة التنفيذية تطغى على ماسواها من السلطات.