التاريخ لا يحفل بالبسطاء ولا ينظر إليهم إلا شذرًا فهو ضنين على عامة الناس حفيٌّ بالنخب، وأعلى مراتب زيفه أنه يخُطُ سير العظماء بمداد عرق البسطاء، ويلونها بدمائهم، ونحن إذ ندرك هذا جيداً فإننا نلامس اليقين بأن الأجيال العطشى للنماذج الراشدة لن تجد في سجلاته وسجالاته مايفيد أن أمرأة من عوام الناس تُدعى بخيتة إبراهيم الطيب الدالي كانت قد عاشت عمراً ضئيلاً لا يتجاوز خمسة عقود في أواخر القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، ولكنه مديد في طاعة الزوج والرب. وأنها أفنت زهرة شبابها تكرم الأضياف في شمبات ثم في ربك وأخيراً في الصالحة. وأنها ظلت تعين بعلها على نوائب الدهر وتقف إلى جواره في السراء والضراء. وأنها ظلت ترافقه في رحلته الطويلة مع المرض دونما ضجر أو ملل..!! فلا تكتف بسعيها الدؤوب تعافر في صفوف الإمداد العلاجي الشحيح وتلتمس خدمة قاصرة بطبيعتها، وتساسك هنا وهناك لمتابعة فحص أو جلب دواء أو إحضار نتيجة، أو إجراء غيار لجرح ظل يقاوم كل عوامل التقيح والصديد. بخيتة - وهي إسم يحمل مسماه في جوفه، تبقى واحدة من النماذج الضاجة بقيم الوفاء والفناء في بِرّ زوجها، يشهد لها جموع الزائرين في مركز السُّكري ببحري وحوادث الخرطوم، ويشهد لها الطواقم الطبية المتابعة هنا وهناك، والمرضى المستوطنون وأهاليهم وزوارهم والخفراء والفراشون وستات الشاي ، كما شهد لها فيما بعد جموع المعزيين في وفاتها الفاجعة إثر حادث خاطف بطريق الموت الجديد الذي يشق الصالحة صوب بحر أبيض مسقط رأسها ومرتع صباها..!! وكما أنها عاشت حياة ملؤها السعادة والبخت استطاعت عبرها أن تنسج خيوطاً من العلاقات والوشائج المتينة، فإنها كذلك مضت إلى بارئها ودلائل السعادة تسبقها، فهي من جهة التوقيت توفيت عقب صلاة المغرب مباشرة وليان وضوئها مازال يتخلل شعرها في الزمن الذي ترفع فيه الأعمال كما تشير إلى ذلك الآثار المتواترة ودُفنت في الساعة التي لا يُسأل المرء فيها .. ومن جهة الكيفية ماتت شهيدة إثر إصطدامها بعربة(دفار) وكان آخر ما قالته(أشهد ألا إله إلا اللّه، وأشهد أن محمداً رسول اللّه) نعم قالتها بوضوح لافت ..!! لقد قضى في نفس المكان الذي شهد وفاة حاجة بخيتة أكثر من خمسة أشخاص في خلال أقل من شهر بمعدل كل إسبوع واحد كما حدثنا شهود عيان، هذا الأمر يذكرني ما خطه يراع زميلنا محمد عثمان إبراهيم في مقال بعنوان (هيّا نثور على حوادث المرور) إقترح عبره تكوين معهد يُعنى بالسلامة المرورية ويستقصي أسباب الحوادث ومن ضمن المقترحات التي قدمها (أن يحصل سائقو السيارات على سجل مهني لهم يكون عاملاً أساسياً عند منحهم للرخصة ويحتوي هذا السجل على نتائج فحوصات غير منتظمة للكحول، والمخدرات، والأدوية ذات التأثير على التركيز.. وعلى الدولة أن تفرض على الشركات العاملة في نقل الركاب التأمين على الحياة وفق الصيغ الإسلامية المعمول بها وهذا رادع للشركات لأن تعين ضمن طاقمها من يقدرون المسئولية حق قدرها). قد يقول قائل الموت قدرٌ لازم لافكاك منه بصفته وكيفيته .. نقول نعم والحياة كذلك قدر من أقدار الله، فليكن شعارنا إذن فلنفر من أقدار اللَّه إلى أقدار اللَّه .. ولندافع هذي بتلك .. ولنا في ابن الخطاب أسوة حسنة. رحم الله بخيتة، وأنزلها منازل الصديقين مع الشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً، «إنا لله وإنا إليه راجعون»