بعد تأجيلات متكررة ولأسباب متباينة انعقد بمدينة نيالا- عاصمة ولاية جنوب دارفور- المؤتمر الأول من نوعه بمسمى «مؤتمر العودة الطوعية»، والذي يشير لغة ومعنى للنازحين بسبب الحرب التي اشتعلت في ولايات دارفور، والتي شكلت كارثة بفعل الإنسان أجبرت السكان المدنيين على النزوح من مناطقهم التي تعودوا عليها والتي بها نشاطاتهم الاقتصادية، وعلاقاتهم الاجتماعية، وتوجهوا نحو المدن والمناطق الآمنة داخل البلاد.. ومن ثم تم تنظيمهم في معسكرات لتقديم العون الإنساني والمدني لهم على مدى عشر سنوات، هي عمر الحرب في دارفور، والتي ظلت تأخذ أشكالاً مختلفة بدأت بجردات التمرد على المدن، واستهداف المؤسسات العسكرية والأمنية والحملات الحكومية على مناطقهم، واستخدام الأسلحة الثقيلة والطيران، مروراً بالاستقطاب للمليشيات القبلية التي ساندت الحكومة وصولاً الى توقيع البرتكولات بين الحكومة والحركات لوقف اطلاق النار، لتسهيل وصول العون الإغاثي للنازحين والمتأثرين، ومن ثم التفاوض وتوقيع اتفاقيات سلام التجزئية لتعود الأوضاع مرة أخرى وثانية وثالثة الى مربع الصراع.... وتبقى معسكرات النازحين وغربة اللاجئين عنواناً لفشل مساعي استعادة الأمن والسلام. اتخذ ملف النازحين واللاجئين مكاناً متقدماً في مفاوضات أبوجا ومحوراً في الاتفاق الذي تم بين حركة تحرير السودان بقيادة كبير مساعدي رئيس الجمهورية مني اركو وتم تأسيس الآليات من مفوضيات وصناديق لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في محور اللاجئين والنازحين والعمل لاستقطاب المعونات والمنح الخارجية لتنفيذ برامج إعاده الإعمار للمناطق التي دمرتها الحرب والتي بسببها خرج المدنيون لمعسكرات النزوح... وسقطت أبوجا وظلت المعسكرات من ضمور الى اتساع النازحين من نقصان الى زيادة، وفي مفاوضات الدوحة اجتهدت التحرير والعدالة باشراك النازحين واللاجئين في مراحل تصميم الحلول لقضيتهم وإشراكهم وأخذ آرائهم فيما يتم اعتماده من بنود وتوجهات تتعلق بقضيتهم، فقد أدركت حركة التحرير والعدالة ومن تجربة ابوجا والاتفاقيات السابقة إن الحديث عن السلام الاجتماعي والتعافي والاستقرارالأمني يبدأ بمعالجة أوضاع النازحين وتهيئة الأسباب لعودتهم عودة حقيقية الى مناطقهم.. جاء خطاب الدكتور السيسي رئيس السلطة الاقليمية في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر مصوباً نحو الأولويات التي تؤسس بها السلطة لمسيرة السلام، وتبقى على فعالية وحياة الوثيقة، فذكر أن العودة الطوعية تأتي في أعلى أولويات السلطة الاقليمية، وتمثل أكبر التحديات، إذ أن النازحين واللاجئين هم عنوان الأزمة، وأن معسكرات النزوح هي علامة القضية، وقد أعطى العودة الطوعية مكانتها في إعادة الحياة للاقليم.. مشيراً الى أن التخطيط لها يعني التخطيط الشامل للحياة الرعوية والزراعية في نشاط العائدين لممارسة حرفتي الرعي والزراعة، وهي حرفة أغلب أهل دارفور وأهل السودان، وفي العودة لا مجال لإهمال المسارات، وتوفير مياه الشرب للإنسان والحيوان والاعتداء على المراعي.. إن الهدف الأساسي للمؤتمر هو ما عبر عنه رئيس السلطة الاقليمية في نهاية خطابه أمام المؤتمرين في أن مهمته وما يعنيه الآن، هو تسليم أصحاب المصلحة من النازحين واللاجئين والمتأثرين زمام مسئولية العودة الطوعية الآمنة بالتضامن مع مفوضية العودة وإعادة التوطين، وأن يخرج المؤتمر بآليات تمكن من انجاز المهمة التاريخية، وقد جاءت الأوراق للموضوعات المقدمة في المؤتمر لخدمة التخطيط الشامل للعودة استناداً على مرجعية وثيقة الدوحة، والتي تضمنت في عدد من محاورها الاجراءات والترتيبات والآليات الخاصة بقضية العودة للنازحين واللاجئين، وتناولت الأوراق التسعة التي تم تقديمها للتداول موضوعات متطلبات العودة الطوعية والمتطلبات الأمنية للعودة، وقضايا استخدامات الأراضي لانجاح العودة الطوعية وورقة عن الموارد والمسارات، وورقة عن العون الإنساني والمدني للنازحين وعن مكتسبات المرأة والطفل في وثيقة الدوحة وورقة بعنوان هاديات السلام الاجتماعي.. وجاءت التوصيات معبرة عن توجهات المداولات وفي خدمة العودة الآمنة والشاملة.. واجمالاً فقد صدرت التوصيات في ثلاثة محاورأساسيه تضمن كل محور عدداً من التوصيات وهي: المحور الأمني الذي شمل توصية للعمل على فرض هيبة الدولة في مواجهة الانفلاتات الأمنية، وقطع الطرق، والاختطاف، وترويع المدنيين.. وتوصية بتفويض صلاحيات أمنية للسلطة الاقليمية وتوصية بالاسراع في تكوين الشرطة المجتمعية في قرى العودة وتوصية بتأهيل وتمكين الإدارة الأهلية. المحور الثاني للتوصيات يتعلق بالعودة الطوعي وهو يشمل توصية بتكوين لجنة عليا تتولى تنسيق عمليات العودة الطوعية وتوصية بقيام الأجهزة التشريعية الاتحادية والولائية باصدار تشريعات وقوانين عن التعويضات، ورد المظالم وتوصية بجعل الأرض مصدراً للتعايش السلمي والاجتماعي وتوصية بترتيب أمر المسارات والحفاظ على الغابات والموارد الطبيعية، ومصادر المياه باعتبارها موارد مشتركة.. المحور الثالث عن التعافي والإعمار والعون الإنساني وشمل توصية بضرورة التنسيق بين شركاء العمل الإنساني في إعادة الإعمار والتنمية وتوصية بإشاعة مشروعات كسب العيش، ومحاربة الفقر بين النازحين وتوصية بدعم المبادرات التي ضد جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوصية بالتمثيل الأوسع للمرأة في مؤسسات الحكم بكافة المستوياتتلك هي مقدمتنا لقراءة منتجة لمؤتمر العودة الطوعية ونواصل بحول الله. ولله الحمد