خطاب الرئيس في البرلمان وإصدار قرار بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، الذين وقعوا على وثيقة الفجر الجديد، وكذلك دعوته للمعارضة والحركات بالحوار الجاد، وفي الاسبوع الماضي كذلك فعل النائب الأول في موتمره الصحفي ودعا المعارضة للحوار.. والرئيس ونائبه رأس الدولة وروحها، والحوار ودعوات الحكومة كثيرة للمعارضة ولكن القوى السياسية كانت تترجم الدعوة باسلوب مخل «بالنص». ودعوة الرئيس والنائب الأول الى قوى المعارضة جاءت في زمن تعاني فيه القوى السياسية ضعفاً على مستوى التحالفات أو على المستوى الداخلي لكل حزب، ومع ذلك كانت الدعوة من منطلق «كفاية» خلاف سياسي دائري يدخل البلاد كل يوم في حلقاته الدائرية، أو تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم من أجل الوطن. وعند قراءة الراهن السياسي تجد أن الوقت مناسب للخروج بالبلاد من دوامة التشاكس السياسي بين الفرقاء، وهذا الراهن به خطوات الى الأمام نحو التفاوض مع قطاع الشمال، وهناك لقاء النائب الأول مع علي الحاج في ألمانيا، وهو لقاء جدد الهواء في رئة الساحة السياسية، خاصة الذين يعولون على عودة الحركة الإسلامية، والقفز فوق «مرارات الانقسام»، وعلي الحاج ومبادرته مدلولات على أن الحل للمشكلة السودانية ممكن إذا تحللت قيادات أحزابنا من القراءة المعكوسة لتاريخ الأحداث.. وهذه القراءة عادةً ما تقود الرأي العام السوداني الى اليأس من الحل أو توالد الأزمات، وإرهاق المواطن والزج به في معترك السياسة التي يسد بها جوعه ومرضه، ويتسلى بها عند الستين مع «زملان الشقا». ومن المشاهد المتوقعة في دراما ما بعد الدعوة للحوار بين المعارضة هو الربط بين الحوار و«كفاية» وحراك الوطني ما بين كفاية والخليفة، وهنا تكون المعارضة قتلت أحلام الأمة السودانية مجدداً في الوصول الى عتبات الاستقرار السياسي، وأحالت تلك الأحلام الى انتظار خدمات الربيع في بلد السافنا الفقيرة والغنية التي يتقلب فيها المناخ مابين الحرور والبارد الجاف، فعلى المعارضة أن تفعِّل مبادرة الرئيس واستباق الأحداث بالقبول بالحوار، فبغيره لن تستطيع أن تعيد الديمقراطية والحرية التي تتشدق بها، وهي غائبة عن مشهدها السياسي، وعلى المعارضة جرد حسابها سريعاً فيما يتعلق بمسيرة الصراع مع الإنقاذ من المستفيد؟ وما هي حصيلة هذا الصراع؟ وهل الإنقاذ خسرت الشارع بسبب مجهودات النضال الذي قامت به المعارضة خلال 23 عاماً؟ ماذا يضير المعارضة لو أنها اتخذت قرار الجلوس الفوري بالخروج من الأزمة السودانية؟، هذه التساؤلات تفيد المعارضة في تقييم مسيرتها ضد الحكومة، وعليها أن لا تعتمد على القراءات الخاطئة على شاكلة أن الموتمر الوطني يترنح ويعاني من ضغوط دولية، فعلينا أن نصبر ريثما يتقاتل أهل الموتمر الوطني «حول الخليفة»... المعارضة السودانية بها إشكالات معقدة في البنية التنظيمية أقعدتها عن القيام بدورها سواء في عملية بناء واقع سياسي راشد داخل تلك الأحزاب، أو تصالح مع الشارع السوداني ليقبلها كبديل للإنقاذ، لذلك شهدت الأحزاب انشقاقات بسبب البناء التنظيمي وسيطرة أفراد على الحزب، وكذلك يتخوف الشارع منها لأنها لم تلبي له أشواقه، وعرف انتهازيتها من خلال مشاهدته لمسيرتها وسيرتها في العراك السياسي، وعليه أمام المعارضة خيار واحد هو «الهرولة»، نحو الحوار من أجل الوطن واستعادة ثقة أغلبية الشعب السوداني في أحزاب المعارضة التي هجرها الى الميادين الخضراء ما بين الموج الأزرق والقلعة الحمراء، وكذلك هرولة شعبنا الى القبائل في«ردة» وادي سحيق، فجعلت كل الشعب يرجع الى الوراء والاحتماء بالقبلية والجهوية والجاني هي أحزابنا التي نضبت مواعينها التنظيمية في احتواء الحالة السودانية، ودعوة الرئيس هي دعوة الى الأحزاب أن تتحسس مواعينها وملؤها بالماء الطهور، لغسل المجتمع السوداني من نجاسة القبلية والجهوية.. فهل انتم مستعدون أيها القوم؟ حافر وصهيل الحوار الوطني تحدٍ جديد يواجه المعارضة والحكومة، مصدر التحدي هو رفع سقف الحوار الى المطالبة بحكومة انتقالية، وتخندق المؤتمر الوطني بأن الانتخابات على الأبواب، فلا داعي لحكومة انتقالية، وهكذا ينطلق الحوار ويكون الوطن حاضراً بديلاً للشيطان الذي وجد ضالته في أحزابنا وساحتنا السياسية، وعادة يدخل الشيطان على قادة أحزابنا، فيصور لهم تفاحة الخلود في سقوط «الشجرة» بعد التناول الإعلامي لما أفرزته «كفاية»، وتصريحات قيادات المؤتمر الوطني في الخليفة المنتظر كلها أشياء تلقي ظلالاً على دعوة الرئيس. بينما هناك لقاء«علي وعلي» ربما يعجل برفع الأمل بالوصول الى بر الأمان، ودخول بعض القوى السياسية في عملية الحوار أو انهيار بعضها بسبب تلاطم أمواج الحاضر بالماضي.. وغداً ننتظر هل يقبل أهل المعارضة دعوة الرئيس أما نستمر في دوامة المعارضة والحكومة؟