بدأت خدمات البريد في السودان في بدايات العهد التركي في عام 1821م وكانت الرسائل البريدية تنقل علي الجمال لهذا جاء شعارها في السودان علي رسم الجمل وكان الشاعر إبراهيم ود الفراش أول ساعي بريد علي جمله في ذلك الوقت وكان يوصف بالدقة وتوصيل الرسائل من بربر والدامر إلي بقية مدن وسط السودان حتى هده المرض بعد تعلقه وعشقه الشهير لمحبوبته الدون التي هام بها كثيراً ونظم فيها أجمل أشعاره المعروفة لدي المؤرخين. ثم جاء العهد الإستعماري ومن أولى إنجازاته كان تنظيم البريد والبرق وربطه بكل مدن السودان وأنشئت مكاتب البوسته والتلغراف في كل مدن السودان وكانت من أبرز المعالم في الدولة وقامت حولها الأحياء الراقية مثل حي البوسته الشهير في أم درمان وجاورتها المحطة الوسطى أم درمان، وفي الخرطوم تجسدت مبانيها وخدماتها الراقية بوسط الخرطوم شارع الجامعة وتجاورها أهم الوزارات، كما نجد مباني البوسته تقع في أرقى المواقع في كل مدن السودان ولا زالت مبانيها السامقة تقف شامخة تشكو الدهر الذي إغتالها. وكان يدير هذا المرفق الحيوي خيرة أبناء السودان كفاءةً وإقتداراً، وكانوا إلي جانب رصفائهم المعلمين السند الحقيقي في كل مناحي الثقافة والتطور ونجد فيهم الشعراء والفنانين والأدباء والموسيقيين نذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر الراحل خليل فرح و الشاعر الفذ المرحوم مبارك المغربي قبل إلتحاقه كضابط في شرطة السجون والراحل مصطفى سند ومحمد يوسف موسى والصديق نعمان علي الله وعبد الله النجيب والفنان الكبير المهندس صلاح مصطفى والموسيقار كامل حسين والرياضي النعيم فرج الله والوكلاء في ود مدني الراحل علي أرباب ونصر الدين النصيري والمرحوم عثمان نور الدائم و الراحل عوض نصر الدين والمرحوم عثمان عكود والمرحوم مصطفى لطفي الخانجي والمرحوم بابكر التوم وبدر الدين إبراهيم علي والمهندسون حسن حسين وصلاح احمد السني وعبد الله بشير. وفي سنار حيث كان مقر عملي هناك مجاور للبريد والبرق أذكر وكلاء البريد المرحوم عبد الله محمد صالح والمرحوم حسن حبيب والمهندس عبد الله عبد الجليل والمرحوم عبد الله طه والمهندس البارع محمد الحسن عبد الله منفذ مشروع شبكة التلفونات بالتقنية الحديثة نظام المايكرويف في أوائل السبعينات والذي جاء به من هولندا والمهندس بابكر الحاج. وكانت البوسته ومرافقها قلعة للإشعاع والتواصل بين المجتمع السوداني ومنها كانت تبث اذاعة أم درمان في بداياتها وكانت كالسكة الحديد في إنضابطها ودقة تنظيمها وعن طريقها كانت ترسل شهادات أبنائنا الذين يودون الدراسة بالخارج وكذلك عقود العمل وشهادات الخبرة وغيرها كانت ترسل وتصل في ميعادها . كما كانت تتم التحويلات البريدية فئة الجنيه والخمسون قرشاً من الأبناء لأسرهم في كل أنحاء السودان ويصرف الكبون نقداً عند وصوله إلي جانب التوفير الذي يتم بكل يسر بمكاتب البريد، وكانت الوابورات السفرية علي النيل تسمى البوسته وينتظرها المواطنين عند وصولها بفرح شديد كالتي تقادر من الأسكلا في الخرطوم في بدايات القرن الماضي وتسافر علي النيل الأبيض وتمر بكل المدن والأرياف حتى جنوب السودان إضافة لخط كريمة دنقلا وحلفا الشلال والسوكي الروصيرص . في السابق كانت هذه السفريات تعرف بالبوسته وقد إرتبطت رحلاتها تلك بأجمل الأغاني الشهيرة مثل : من الأسكلا وحلا قام من البلد ولا والبريدو مالو إتاخر بريدو للراحل أحمد فرح . والبوسته جات يوم التلات وحملتك خطابي يا ساعي البريد للسافر وطول في البلد البعيد ومن أغاني أهلنا الشايقية : يا سلام يا الشيك أب جمل لي متين المحبوب يصل نتقابل قبل قبل وينقطع شيال الخبر والمعني هو كبون التحويل البريدي . وكان بريد السودان يرتبط بكل دول العالم بدقة متناهية وأثناء إقامتنا في أوربا كانت تصل رسائل أهلنا في وقت وجيز وكذلك التي نرسلها من هناك وكانت شبكة التلفونات المنتشرة داخل السودان لا تقل كفاءة رغم إختلاف الطفرة التي حدثت مؤخراً في هذا المجال وبعد توقفها جاءت شركة سودابوست وبكل أسف إنحصرت أعمالها في بعض المدن بصورة بطيئة وبأسعار مرتفعة وفوق طاقة المواطنين ولو لا ظهور وسائل الإتصالات السريعة التي ربطت العالم بأسره والمتمثلة في الهاتف النقال وغيره من وسائل الإتصالات السريعة والتي يسرت سبل الإتصالات والتحويلات لإخوتنا العاملين والمقيمين بالخارج.وهو أمر يحمد له لأن ظهور هذه الطفرة أغنتنا عن سودابوست وخدماتها التي عجزت أن تصل لأبسط خدمات البريد السابقة والتي أصبحت ذكرى في وجدان الأمة. لا يفوتنا أن نذكر أن الخدمات البريدية في السعودية وسلطنة عمان وبقية دول الخليج قامت بتأسيسها وتطويرها كوادر البريد السودانية صاحبة الفضل الأكبر في هذا المجال. التحية لقادة العمل البريدي السابق في السودان والخارج ونترحم علي أرواح الذين اختارهم الله في رحابه.