أثارت تصريحات وزير النفط د. لوال دينق غباراً كثيفاً في منتصف الخريف وقبل حلول الشتاء بنحو 90 يوماً.. أحتفى دعاة الوحدة في الشمال. يقول لوال ( يحكم الجنوبيون أنفسهم ويشتركون في حكم الشمال، وهم ثلث الوزارة الاتحادية في الخرطوم، ماذا يريدون أكثر من ذلك!) الشطر الأخير من إجابة الوزير لوال أثار حنق وغضب الانفصاليين الجنوبيين، مثلما أثارت فرحة وحدويين كانت أصواتهم مدفونة تحت القبعات السوداء، أو (البرنيطة)، التي يرتديها ساسة الجنوب منذ قديم الزمان، وفي عنفوان مشروع السودان الجديد، كان بعض من المسلمين يرتدونها وبعض من الشماليين المسلمين، وهم في غفلة من فتوى أجمع عليها علماء المغرب يتقدمهم مالك بن نبي عن حرمة أرتداء البرنيطة للمسلمين، إن كان يرتديها تشبهاً بالأفرنج، ولا نقول النصارى والمقام هنا تعليق على حدث وليس أحكاماً يصدرها من لا يملك حق إصدار الفتاوي. لوال دينق وزير البترول أثار بحديثه حفيظة سياسي وصحافي زرب اللسان، تحسبه من جزيرة العرب أو جزيرة لبب، لكنه دينكاوي من السلالة التي جاءت بقائد الحركة الشعبية الراحل د. جون قرنق.. الصحافي ياي جوزيف كتب في عقابيل تصريحات (خاله) د. لوال دينق وزير النفط، وتساءل ياي عن دواعي الشطر الأخير من الإجابة الاستفهامية ماذا يريد الجنوبيون؟ وفتح ياي جوزيف أبواب أسئلة فرعية، هل ما ناله الجنوبيون بموجب اتفاقية نيفاشا يكفي، لماذا لا نبحث عن أكثر من ثلث السلطة المركزية؟ ولماذا لا يصبح جنوبياً رئيساً للجمهورية؟ وتداعت بغية الأسئلة التقليدية هل يمكن العيش في كنف دولة إسلامية؟. دستور السودان الذي يحكم البلاد الآن لم ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع في الدولة.. بل قالت نصوص الدستور الانتقالي الشريعة مصدر من مصادر التشريع في السودان!! وتمتع أهل الجنوب في ولاياتهم العشر بحكم أشبه بالمستقل عن المركز.. لا سلطان لرئيس السودان على حكم الاستوائية أو غرب بحر الغزال، وحتى في الشمال الآن لا يملك الرئيس سلطة إقالة محمد طاهر أيلا أو عثمان يوسف كبر، إلا من خلال إجراءات برلمانية معقدة جداً، وبعد عام ونصف من تاريخ انتخاب الولاة الحاليين!!. اسئلة الصحافي الصديق العزيز ياي جوزيف بعضها لا يمكن الوصول لاجابة عليها من (شاكلة) أين مشروع السودان الجديد؟ الاجابة هنا ليست يسيرة على لوال دينق وجد عسيرة على فاقان أموم، الذي باع سروال الوحدة بصديري الانفصال في منتصف الخريف عشرات الضحايا من القيادات الجنوبية تمت التضحية بدمائها في (أيتانق) ومعركة التأسيس الأولى، حينما كان منفستو هيلامريام هو القدوة والمثال.. لم يجد د. جون قرنق حرجاً في جز عنق الانفصاليين، حتى أعتبر بعض من المتطرفين الانفصاليين من الجنوبيين إن قرنق يمثل الاصولية الوحدوية، والأصولية في تعريفها هي التمسك غير العقلاني بفكرة ما، والعجز عن تكييفها مع الواقع، وقد قدم رجلان في قامة ومقام محمد صبحي عبد الحكم وميلاد حنا من مصر كتاب د. جونق أو للدقة أكثر خطبة الوحدوية المتنأثرة في فضاءات الأفارقة والعرب، وقد قال محمد صبحي بالنص كما أورده د. الواثق كمير (ربما تثبت الأيام إن هذا الكتاب بداية لتحرك وفكر جديد في وادي النيل). فكيف أصبح (أولاد قرنق) من لدن فاقان أمون من حاملي حطب الانفصال، وفي جيده حبال من المسد، وتقع ( الملامة) على د. لوال الذي لم يخن مبادئ الحركة التي نهضت عليها، ولكنه مارس الخيانة علناً للتحريفات السوقية التي جعلت كل الدماء التي أهدرت في المواجهات بين الانفصاليين الوحدويين في مثلث الموت، (واط أبود كنقر)، حينما هاجمت قوات د. رياك مشار الانفصالية- وهي ترفع على ساريتها اسم حركة استقلال جنوب السودان .. صحيح في تلك الحرب تداخلت فيساء القبلية والتنافس التقليدي بين الدينكا والنوير، والانتقام المتبادل بعد دخول قوات رياك مشار مدينة بور، التي يعتبرها الدينكا بمثابة المدينة المقدسة مثل الجزيرة أبا عند الانصار، ومثل كسلا عند الختمية، قبل سقوط ممثلي الحزب الاتحادي الديمقراطي، والسيد محمد عثمان الميرغني في الانتخابات الأخيرة.. كان تصدي الحركة الشعبية لرياك مشار الذي (فتح) بور عنيفاً جداً، حيث قاد تلك العمليات ببور الأسود والجنرال كول مينانق.. لا نسعى لإعادة اجترار تلك الذكريات لنفسد حلاوة عيد الفطر للصديق ياي جوزيف، ولكنها الحقيقة التي لن نغمض الأجفان عنها، لنقول إن تنافس الدينكا والنوير مثل تنافس الشايقية والدناقلة في قديم الزمان، والشايقية والجعليين في التاريخ الحديث، وتنافس المسيرية والرزيقات في تخوم دارفور الشرقية وكردفان الغربية!!. مثل د. لوال دينق وابن أخته ياي جوزيف أكثر عقلانية في الاجابة عن الأسباب التي جعلت الفريق سلفاكير ميارديت يعزف عن خوض الانتخابات الأخيرة، وهي فرصة قد تحمل رئيساً جنوبياً ومسيحياً ليحكم السودان بالديمقراطية لا البندقية !! وقرنق كان يثق في نفسه وقدراته أكثر من ثقة دينق الور في ال 70% من الجنوبيين الذين يقفون خلف شارع يؤدي للانفصال، كانت ثقة قرنق في أمكانية حكم السودان من خلال تحالفات مع الهامش في مواجهة المركز أثنيات في مواجهة أثنيات أخرى، والغلبة في نهاية السباق لهم.. هكذا كان مشروع السودان الجديد الذي لن يسأل أحد د. نافع علي نافع عن وأد المشروع، وعلى طريقة سائقي البصات السفرية البرية قبل دخول البصات السياحية يكتبون عبارة العفش داخل البص على مسؤولية أصحابه، ومشروع السودان الجديد موته أو حياته هي مسؤولية أصحابه!!. أكثر القيادات في الحركة الشعبية صراحة ووضوحاً باياي جوزيف أبناء السلاطين (دينق لور ود. لوكا أبيونق)، فالأول قالها بصراحة جارحة أثارت سخونة في دماء د. غازي صلاح الباردة، في ندوة عن وحدة السودان، إن تطبيق الشريعة الإسلامية يجعل الجنوبي غير المسلم مواطناً من الدرجة الثالثة!! تلك تخيلات ظنية وليست حقائق تلامس الواقع، فالسيد لوال دينق وياي جوزيف من سكان مدينة الخرطوم لهم حق التملك والتجارة والحكم، والتعبير عن هوياتهم، فهل تعتبرهم مواطنين درجة ثالثة!!. قميص الشريعية الإسلامية الذي يتم رقعه في وجه الشمال، هذا القميص استحدث في عام 1987م حينما أعلن الرئيس الأسبق جعفر نميري تطبيق الشريعة الإسلامية، لكن في عام 1955م هاجم الانانيا في بلدة توريت معلمين ومعلمات من الشمال أردوهم قتلى، ومن سوء حظنا جميعاً شماليين وجنوبيين، كان الشاعر الهادي آدم من بين المعلمين الذين شاهدوا تلك المأساة، فكتب قصيدة ضد الوحدة، لولا إنها جزء من تراث هذه الأمة لطالبنا بحرقها، وهي تقدم وصفاً لما جرى في توريت.. توريت يا وكر الخديعة والدسائس والدم قد طال صمتك في الدجى هل آن أن تتكلمي.. الغابة مطرقة الغصون في دجاك المعتم والصمت والليل الرهيب وخادعات الأنجم.. إن كان ياي جوزيف يعتبر أثنين ونصف مليون من الجنوبيين قدموا أرواحهم ثمناً للنضال، فكم من هؤلاء كان مبتغاهم غير الانفصال، وكم من الشماليين ذهبوا أيضاً ضحية في سبيل الوحدة فقط؟.. لا يوجد شمالي قاتل من أجل الانفصال حتى اليوم. والشمال عند العقلانيين شمالين، الأول جغرافي يضم الانقسنا، وسنار، وجنوب كردفان، وجنوب دارفور، وغربه، وهؤلاء لا جريرة لهم في حكم السودان القديم والحديث.. وشمال آخر سياسي هو الذي حكم السودان منذ 1956م وحتى نيفاشا 2005م، لكن الجنوب يخلط الأوراق ويجعل من الانفصال كقميص عثمان.. ولكن الرهان لدى غالبية الجنوبيين والشماليين أن يبقى هذا الوطن الآن موحداً، أو فليذهب الجنوب مستقلاً في 11/1/2011م ويعود بعد قليل على طريقة اليمن والمانيا ولنا عودة.